الثلاثاء، فبراير 09، 2010

اقتصاديات البرمجيات مفتوحة المصدر: كيف تربح الشركات من البرمجيات مفتوحة المصدر؟--2 Open source economics

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد...
كان المقال السابق مقدمة و مدخلا لاقتصاديات البرمجيات مفتوحة المصدر, و في هذه المقالة ندخل في صلب الموضوع و نتحدث عن الطرق الفعلية لجني الأرباح من البرمجيات مفتوحة المصدر, فإليكموها:

1- العقود الدائمة Subscription:
- و هي عقود محددة بفترة زمنية - سنة مثلا - يدفع فيها الزبون مبلغا من المال مقابل الحصول على خدمات على البرنامج مفتوح المصدر,كخدمات الدعم الفني technical support و الصيانة و تحديث البرنامج ...إلخ.
- و هي من أشهر الطرق المستخدمة في جني الأرباح من البرمجيات مفتوحة المصدر, و من أمثلة من يتبع هذه الطريقة الشهيرة, شركة رد هات Red Hat.
- و مثل هذا العقود تجريها الكثير من الشركات بصورة فيها غرر بَيِّن مما يجعلها مشابهة للتأمين التجاري المحرم, و لذا وجب مراجعة الضوابط الشرعية لإجراء مثل هذه العقود لتتم بصورة يرضاها الشرع, و قد نقلت لكم فتوى حول هذا الموضوع من قبل, فلتراجَع.
- ميزة هذه الطريقة أنها تضمن للشركة مقدمة الخدمة مصدرا ثابتا من الدخل -نسبيا-.
- عيب هذه الطريقة أنه يتوجب على الشركة مقدمة الخدمة أن تقدم دائما للعميل قيمة مضافة يحرص بموجبها على تجديد العقد معها.

2- الخدمات الارتجالية Ad hoc Services:

- في هذه الطريقة تقدم الشركة خدمات مثل بيع منتجات فيزيائية كأقراص CD توزيع البرنامج مفتوح المصدر أو تعليمات الاستخدام, أو خدمات للبرنامج مفتوح المصدر, كخدمات التدريب و الخدمات الاستشارية و خدمات الدعم الفني ...إلخ.
- هذه أيضا من الطرق الشهيرة المستخدمة في جني الأرباح من البرمجيات مفتوحة المصدر, و تطبقها أيضا شركة رد هات Red Hat. و هناك دور نشر تبيع كتبا حول البرامج مفتوحة المصدر و لا تساهم في تطويرهذه البرمجيات كشركة أورييلي O'Rielly
- ميزة هذه الطريقة أن العميل سيحتاج دائما لخدمات مكملة للبرنامج.
- و يعيب هذه الطريقة أن حجم الصفقات التي تتم بهذه الطريقة لا يمكن التنبوء به, و لذلك فهي لا تصلح أن تعتمد عليها الشركات
كمصدر أساسي للربح.

3- العتاد المضمّن Embedded Hardware:

- في هذه الطريقة تبيع الشركة عتادا hardware لكن تضمنه برنامجا مفتوح المصدر, و دور البرنامج هنا يتجلى في تدعيم هذا العتاد لرفع مستوى أدائه و زيادة مرونته و تخفيض كلفته.
- فعلى سبيل المثال هناك العديد من الشركات التي تبيع حواسيبا معدة مسبقا بتوزيعات لينكس Linux مختلفة. و اللينكس أيضا مستخدم في كثير من الأنظمة المضمّنة Embedded Systems و الهواتف الجوالة Mobile Phones.
- كما أن هناك بعض الشركات تبيع عتادا متوافقا للعمل مع برمجيات مفتوحة المصدر كشركة ديغيام Digium التي تبيع كروت تليفونات Telephony cards متوافقة للعمل على السنترال PBX الشهير أسترسك Asterisk.
- ميزة هذه الطريقة أن البرنامج و العتاد يكمل بعضهما بعضا, و لا تكون القيمة المضافة في البرنامج فقط, بل إن مهارة الشركة ستتجلى هنا في إنتاج عتاد متميز في الأداء و المرونة و التكلفة.
- أما عيب هذه الطريقة فهو أن استخدام البرمجيات مفتوحة المصدر في حد ذاته قد لا يمثل حافزا للعملاء أن يشتروا منك عتادك, إذ أن هناك شركات أخرى تنافسك في نقطة قوتك: العتاد.

4- البرمجيات المضمنة Embedded Software:
- في هذه الطريقة يُضمّن البرنامج مفتوح المصدر في برنامج آخر تجاري أكبر منه.
- و لا تزال معنا شركة رد هات Red Hat كمثال على تطبيق هذه الطريقة, فرد هات تبيع نسخة لينكس المؤسسية Red Hat Enterprise Linux و التي زادت فيها عن نسخ اللينكس الأخرى خدمات و إضافات تجني منها أرباحا (فهي مثلا تعطي ضمانا لمدة سبع سنوات لمن يشتري هذه النسخة!). لكن يلاحظ هنا أن رد هات تقدم هذه المميزات على نسخة التشغيل النهائية binaries و ليس على النص البرمجي source code للينكس (الذي ما زال مفتوح المصدر أيضا!). مثال آخر: بنت شركة صن Sun - المملوكة الآن لشركة أوراكل Oracle- برنامجها التجاري ستار أوفيس Star Office حول برنامجها الآخر مفتوح المصدر أوبن أوفيس Open Office.
- ميزة هذه الطريقة أن القيمة المضافة تأتي من الباقة package التي تقدمها الشركة ككل (البرنامج مفتوح المصدر + الخدمات و الإضافات) و ليس من البرنامج فحسب, و كلما تميزت الخدمات و الإضافات كلما زادت التفرقة بين النسخ المجانية و النسخ التجارية, مما يمثل حافزا للزبائن أن يشتروا منك دون الاعتماد على النسخة المجانية.
- لكن ينبغى على الشركات أن تأخذ في اعتبارها أنه قد يُنظر إليها على أنها شركة تحاول "نهب" برنامج مفتوح المصدر, و تحاول تجنب هذه النظرة بقدر استطاعتها.


5- تضمين الوظائف Functional Encapsulation :
- في هذه الطريقة يكون البرنامج مفتوح المصدر محمّلا installed على حاسب المستخدم, و تقوم أنت باستخدام وظائف هذا البرنامج في برنامجك التجاري من غير أن تستخدم النص البرمجي source code للبرنامج مفتوح المصدر.
- و قد استخدمت أنا هذه الطريقة من قبل :).

6- البرمجيات كخدمات Software as a Service(SaaS):
- و هذه من أحدث الصيحات في البرمجة عموما (و قد ذكرت ذلك من قبل عند الحديث عن اتجاهات صناعة البرمجيات لعام 2010, عند ذكر الاتجاه نحو الويب و الحوسبة السحابية Cloud Computing), و تعني أن تؤجر للمستخدمين استخدام البرنامج عبر الويب بدلا من أن تبيعه لهم.
- و هذه طريقة واعدة, إذ أن بإمكانك أن تستخدم أي برنامج مفتوح المصدر - مهما كانت رخصة استخدامه - و تعدّل فيه كما تشاء ثم تؤجر استخدامه للزبائن من غير أن تهتم بإعادة نشر تعديلاتك على البرنامج الأصلي (فالمستخدم لن يحمّل install أي برنامج على حاسبه بل سيعتمد على المتصفح internet browser في استخدام البرنامج) و بذلك تتجنب التنافس المتولد عن إتاحة النص البرمجي source code.
- بسبب الميزات القوية التي تتيحها هذه الطريقة, فإن الشركات الرائدة تعتمد عليها في درّ أرباح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, كشركة غوغل Google و سيلز فورس Salesforce.com و غيرهما.

7- الإعلانات Advertising:
- في هذه الطريقة تقدم الشركات البرنامج في صورة مجانية أو مفتوحة المصدر لكن تجني أرباحا من الإعلانات, إما بوضعها بصورة مباشرة في البرنامج (مثل ما تحصل عليه موزيلا Mozilla من غوغل Google من جراء جعل الصفحة الافتراضية في متصفحها الشهير - مفتوح المصدر - فايرفوكس Firefox هي صفحة البحث في غوغل) أو بتضمين خدمة من شركة أخرى في برنامجها (كما تفعل موزيلا أيضا في فايرفوكس من جعل غوغل هو أداة البحث الافتراضية, و من تضمين أدوات بحث لشركات أخرى معدة مسبقا مع البرنامج. نفس الطريقة تتبعها ديغيام Digium في برنامج أسترسك Asterisk الذي يُحمّل مسبقا بإعدادات تتيح له الاتصال بمقدمي خدمات تليفونية Telephony service providers بقابل مادي تدفعه هذه الشركات لديغيام).
- التربح من الإعلانات من الطرق الشهيرة الآن, و قد فصلت الكلام عليها من قبل في مقالتيْ النموذج الاقتصادي للويب 2.0 الجزء الأول و الثاني, فلتراجَع.

8- تخصيص البرامج Custom development:
- في هذه الطريقة تربح الشركات من إجراء تعديلات و إضافات على البرنامج الأصلي حسب رغبات الزبائن.
- و هي مناسبة أيضا للمبرمجين المنفردين freelancers في إجراء مثل تلك التعديلات, فبعض المواقع تجمع تبرعات من مستخدمي البرامج مفتوحة المصدر الذين يريدون وظائف معينة غير موجودة في البرنامج, و يهبونها لمن يطور هذه الوظائف, مثال على هذه المواقع: http://www.opensourcexperts.com/bountylist.html
- ميزة هذه الطريقة أنها تبني علاقة بين الشركات و المستخدمين مما يزيد فرص إجراء صفقات مستقلبية مع هؤلاء الزبائن.
- و لكن يعيب هذه الطريقة نفس عيب الخدمات الارتجالية: حجم الصفقات التي تتم بهذه الطريقة لا يمكن التنبوء به, و لذلك فهي لا تصلح أن تعتمد عليها الشركات
كمصدر أساسي للربح.

9- التبرعات Donations:
- و هذه طريقة شائعة أيضا, و هي تصلح للمبرمجين المنفردين أكثر منها للشركات, و فيها يقوم المبرمج بتطوير برنامج و يتيحه للجميع و لكن يطلب منهم أن يتبرعوا له - إن شاءوا-
- مثال على ذلك: موقع سورس فورج SourceForge.net يتيح للمبرمجين أن يستقبلوا تبرعات على برامجهم مفتوحة المصدر - إن أرادوا-
- هذه الطريقة - مثل سابقتها - لا تصلح أن تعتمد عليها الشركات كمصدر أساسي للربح.

10-منتجات و خدمات أخرى Other products and services:
- فالبرمجيات مفتوحة المصدر لا تدر أرباحا للشركة بصورة مباشرة, بل المنتجات و الخدمات الأخرى التي
قد تكون مكملة لها (و قد لا تكون) هي التي تدر الأرباح.
- يمكن أن نسمي هذه الطريقة "
الطريقة الارتيادية أو الاستراتيجية" و هي عادة ما تستخدم من قبل الشركات الكبيرة لكسب الأرض ( أعني السوق) عن طريق تطوير و دعم و مناصرة البرمجيات مفتوحة المصدر مما يتيح لها أن تنافس في مجال تسود فيه الاحتكارات (مثل ما تفعله أوراكل Oracle من مناصرة اللينكس Linux للتقليل من منافسة الويندوز Windows) ثم بناء القيمة المضافة على هذه البرمجيات مفتوحة المصدر (تكملة مثال أوراكل السابق: تمكنت أوراكل من دعمها للينكس أن توفر نسخة من برنامج قواعد البيانات Databases الذي تنتجه تعمل على معالجات microprocessors إنتل Intel الرخيصة بدلا من استخدام عتاد آخر باهظ التكاليف كالذي تنتجه آي بي إم IBM و صن Sun - قبل أن تشتريها أوراكل. و مثال شبيه بذلك: بناء غوغل Google لنظام تشغيل Operating System يعمل على الهواتف الجوالة mobile phones مفتوح المصدر أندرويد Android (هو في الحقيقة لينكس!) لتكسب أرضا في سوق الهواتف الجوالة, ثم تربح بعد ذلك من الخدمات و الإضافات التي تقدمها حوله). كذلك بعض الشركات تطور و تدعم العديد من البرمجيات مفتوحة المصدر لتجذب أكبر عدد من الزوار لموقعها, فتبني سمعة طيبة بينهم, مما يشجعهم على شراء منتجاتها و برامجها الأخرى(هل تعتمد غوغل Google على هذه الطريقة؟).
- العيب الوحيد لهذه الطريقة أن الزبائن قد تراودهم مخاوف من عدم اهتمام الشركات بهذه البرمجيات مفتوحة المصدر, خاصة إذا كانت لا تمثل لتلك الشركات مصدرا للربح, و قد تزيد هذه المخاوف إذا كانت الشركة ناشئة.

تلك عشرة كاملة!
فهل ثمت طرق أخرى لجني الأرباح من البرمجيات مفتوحة المصدر؟ و ما تأثير تراخيص البرمجيات مفتوحة المصدر على طرق الربح المذكورة؟
هذا و غيره ما سنجيب عنه لاحقا إن شاء الله و قدر... فتابعونا.

هناك تعليق واحد:

amr_mt يقول...

من الجدير بالذكر أن حركة البركجيات مفتوحة المصدر تشكل في حد ذاتها أيدولوجية وفلسفة تقول ببساطة - حسب ستالمان - أن أي منتج برمجي تقوم بتطويره لعميلك من حقه عليك أن تعطيه مصدره معه إنطلاقا من مبدأ حرية البرمجيات المذكور

نموذجان بارزان يحتاجان للمزيد من التفصيل، الأول هو تجربة سورس فورج - الآن جييك نت - التي بدأت بتجارة العتاد المزود بلينوكس وهي مرحلة انتقلت بعدها لنموذج أكثر ربحية بعد أن أنفقت في الاستثمار في البرمجيات

الآخر هو نيتسكيب التي غيرت وجهتها بعد أن خسرت جولة أمام ميكروسوفت فأنشأت موزيلا التي انبثقت عنها فيما بعد، و التطور في النموذج المتخذ من تطوير فيرفكس داخل موزيلا من طريقة الكاتدرائية إلى نهج البازار الذي حقق نجاحا و تطورا أسرع