الثلاثاء، مايو 27، 2008

"مشوار" في "الميكروباص" = دروس في صناعة المال

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد...
فبعد الارتفاع الجنوني في الأسعار - و الذي كان آخره ارتفاع أسعار وقود السيارات - كثيرا ما كنت أشهد مشادات بين راكبي سيارات الأجرة و سائقيها حول تعريفة الرحلة.
و قد تكلم في هذه الظاهرة - ظاهرة غلاء الأسعار - قبلي أفاضل كثر, لن أكرر هنا كلامهم, لكني سأسوق بعض الملاحظات:
1- ظاهرة غلاء الأسعار ليست محلية, إنما هي عالمية [و إن قال بعضهم تعليق الغلاء على شماعة السعر العالمي .. باطل!]
2- مشكلتنا في مصر هي في ضعف الأجور و ليست في زيادة الأسعار؛ فنحن نتقاضى أجورا محلية و نشتري سلعا بأسعار عالمية [انظر أزمة رغيف الخبز في مصر]
3- أي زيادة في سعر أي سلعة أو خدمة إنما يتحملها المستخدم النهائي كليا (في الغالب) أو جزئيا (أحيانا) , و أي وسيط - إن لم يتربح منها - فهو لن يخسر فيها كثيرا (إن خسر) في أسوأ الاحتمالات, و هذه سنفصلها لاحقا.

فكيف نواجه هذه الظاهرة؟
1- أن نعرف سلوك المسلم عند ارتفاع الأسعار.
2- أعد قراءة الملحوظة الثالثة - في الفقرة السابقة -, ثم تدبر معي هذا التقرير: الموظف في مصر يدفع ضريبة على راتبه الهزيل, ثم إن أراد أن يشتري أي سلعة , دفع عليها ضريبة المبيعات, فإن زيد في ثمن السلعة أو الخدمة, زيد عليه هو فقط في ثمنها. و لازال معنا مثال سائقي سيارات الأجرة, لما زادت أسعار وقود السيارت, زادوا تعريفة النقل على "الموظفين" التعساء!
فإذا نظرت كيف يواجه الموظف البائس هذه الظاهرة, وجدته إما يسب الظلام, و إما يسب الحكومة, و إما يتشاجر مع سائق سيارة الأجرة الذي استغل الفرصة - في ظل غياب الرقابة الحكومية , و إن شئت فقل التواطؤ - و زاد من تعريفة الرحلة أكثر من مقابل زيادة سعر الوقود!
فهلا فكر أريب في إيقاد شمعة, و استخرج من الأزمة قوانين في صناعة المال؟
كان هذا الأريب هو صاحبنا سائق السيارة الأجرة! فإنه لم ينتظر الوظيفة الحكومية و إنما عمل مساعدا لعمه السائق حتى حذق قيادة سيارات الأجرة مع توالي الأيام. فما إن استخرج رخصة قيادة حتى ضارب عمه الذي يملك ثلاث سيارات على أن يتوالى هو و اثنان آخران من زملائه الشباب على إحدى هذه السيارات الثلاث, حيث يقودها كل واحد من الثلاثة لسبع ساعات, و الساعات الثلاث المتبقية من اليوم يجرون عليها أعمال الصيانة. أما الربح فيتقاسمه الأربعة (صاحبنا السائق و عمه و زميلاه).
و أنا أكمل لكم قصة صاحبنا السائق من قصة عمه السابق, فبعد أن عمل العم على سيارة ليست ملكه لبعض الوقت, ادخر شيئا من المال أتاح له أن يشتري سيارة مستعملة بالتشارك مع رفيقيه, فلما زاد ربحه باع نصيبه في السيارة القديمة و اشترى سيارة جديدة بالتقسيط, فلما استكمل ثمنها, اشترى ثانية, و ضارب ابن أخيه على الأولى ... فثالثة ... وهو الآن يجهز لشراء الرابعة, بعد أن زوج ابنتيه!
و أنا ألخص لك هنا قوانين صناعة المال التي استعملها صاحبنا السائق تلخيصا:
1- لا ترض بالوظيفة الحكومية و لا حتى بالعمل أجيرا عند أحد - إلا لغرض واحد فقط؛ و هو التعلم.
2-إذا فعلت ذلك, فتلقائيا, ستنتقل أعباء زيادة الأسعار من على كاهلك إلى المستخدم النهائي, و ستأتيك فرص أكثر في الثراء.

فأين أولو الألباب الذين يصنعون المال؟

الخميس، مايو 22، 2008

الكتابة العلمية باللغة العربية


بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد...
فما أصعب أن يقرأ المرء كلاما بلغة قومه فلا يكاد يفهم شيئا!
و أصعب من ذلك أن تستعصي عليه الكتابة بلغة قومه فلا يكاد يبين!
أما صدر الاستهلال, فبيان ما كنت أشعر به و أنا أقرأ في البرمجة أو في تكنولوجيا المعلومات أو أي موضوع علمي باللغة العربية. و أما عجزه (نهايته), فبيان ما كنت أشعر به لما هممت بالكتابة باللغة العربية في مثل هذه الموضوعات؛ فقد وجدت الأمر جد صعب!
بالطبع ليس ذلك لقصور اللغة العربية عن احتواء العلوم - و لعلي أفرد هذا الموضوع بحديث خاص إن شاء الله تعالى- و لكن يمكن إرجاع ذلك إلى الأسباب الآتية:
1- أسباب من قبل المؤلف:
أ) الترجمة الحرفية للمصطلحات
ب) النقل الحرفي للجمل المترجمة بما لا يتناسب مع أساليب العرب في الكلام
ج) عدم الإلمام بالموضوع المترجم
2- أسباب من قبلي:
أ) تلقي هذه العلوم باللغة الإنجليزية
ب) ضعفي في اللغة العربية عموما
بالطبع كل هذه الأسباب تدعو للأسى, لكن يمكن تلافيها إن شاء الله تعالى.
و كخطوات عملية في هذا الصدد:
- فقد اشتريت "معجم الحاسبات" الذي أصدره مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 2003م. و بالرغم من قدمه نسبيا, إلا أنني وجدت فيه الكثير من المصطلحات التي تتقلب بها ألسنة المبرمجين. فجزى الله خيرا من أعده.
فما وجدت من مصطلح في هذا المعجم, فسألتزم به, و ما لم أجد فسأبحث له عن أفضل ترجمة فيما كتبه غيري, فإن لم أجد فسأجتهد في ترجمته و لا آلو. و في كل ذلك سأفضل ذكر المصطلح الإنكليزي بجانب ترجمته العربية ليستبين المقصود من الكلام.
- و سأحاول جاهدا أن أصوغ الجمل بأسلوبي ملتزما في ذلك بما أعلمه من قواعد بناء الجمل في لغة العرب.
- أخيرا - و هو الأهم - أن أقبل على تعلم اللغة العربية.... و الله المستعان.
---------
* تحديث:
وجدت موقع ويكي عرب آيز مفيد في هذا الموضوع, حيث قالوا في صدر الموقع:
"يوفر ويكي عرب‌آيز مناخا للنقاش وتبادل الخبرات والمعرفة حول اللغة العربية ولسانياتها ومايتعلّق بدعمها والارتقاء بها في الحوسبة عمومًا والبرمجيات الحرة على وجه الخصوص. هذا الويكي عبارة عن مجال تشاركي مفتوح للجميع بدون قيود، لغتنا الجميلة بانتظار مساهمتك فلا تبخل عليها."

الجمعة، يناير 18، 2008

سنن العرب في تسمية أبنائهم

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله, و بعد...
قال العلامة الشيخ محمد بشير الإبراهيمي الجزائري - رحمه الله تعالى - في نقد من تكنى بأبي السعادات, و نحوها من الكُنى الأعجمية:
(من سنن العرب أنهم يجعلون الاسم سمة للطفولة, و الكنية عنوانا على الرجولة, و لذلك كانوا لا يكتنون إلا بنتاج الأصلاب و ثمرات الأرحام من بنين و بنات, لأنها الامتداد الطبيعي لتاريخ الحياة بهم, و لا يرضون بهذه الكنى و الألقاب الرخوة إلا لعبيدهم؛ و ما راجت هذه الكنى و الألقاب المهلهلة بين المسلمين إلا يوم تراخت العُرى الشاذة لمجتمعهم, فراج فيهم التخنث في الشمائل و التأنث في الطباع و الارتخاء في العزائم, و النفاق في الدين؛ و يوم نسي المسلمون أنفسهم فأضاعوا الأعمال التي يتمجد بها الرجال, و أخذوا بالسفاسف التي يتلهى بها الأطفال؛ و فاتتهم العظمة الحقيقية فالتمسوها في الأسماء و الكنى و الألقاب؛ و لقد كان العرب صخورا و جنادل يوم كان من أسمائهم صخر و جندلة, و كانوا غصصا و سموما يوم كان فيهم مُرَّةٌ و حنظلة؛ و كانوا أشواكا و أحساكا يوم كان فيهم قتادةُ و عَوْسَجَة, فانظر ما هم اليوم؟ و انظر أي أثر تتركه الأسماء في المسميات؟ و اعتبر ذلك في كلمة "سيدي" و أنها ما راجت بيننا و شاعت فينا إلا يوم أضعنا السيادة, و أفلتت من أيدينا القيادة. و لماذا لم تشع في المسلمين يوم كانوا سادة الدنيا على الحقيقة؛ و لو قالها قائل لعُمَرَ لهاجت شِرَّتُه, و لبادرت بالجواب دِرَّتُه)ا.هـ. نقلا عن "التعالم" للعلامة بكر أبي زيد.

الدرس الأخير!

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله, و بعد...
الدرس الأخير....
هو عنوان قصة قصيرة (تصور تلميذا فرنسيا في مقاطعة الإلزاس و اللورين ظل متمردا على أستاذ اللغة الفرنسية و لا يعتني بقواعد لغتها و نحوها, حتى احتل الألمان إقليمه في حرب السبعين في القرن التاسع عشر, و قرروا تدريس اللغة الألمانية بدل الفرنسية, فيجمع المدرس تلامذته ليلقي عليهم الدرس الفرنسي الأخير في اسم الفاعل و المفعول, و عندئذ يستولي الندم على الطالب المتمرد المقصر في تعلّم لغته, و لكن لات حين مندم, فإن المحتل لا يراعي شعور نادم مفرّط, بل يفرض لغته)(1).
فلولا كان من أبناء الإسلام أولو بقية يعتزون بلغتهم و يتقنونها قبل أن تلقنهم الأيام مثل هذا الدرس الأخير؟؟؟!!!
------------
(1) نقلا عن "منهجية التربية الدعوية" للأستاذ محمد أحمد الراشد

السبت، يناير 12، 2008

هناك في صغير العلم و رخيصه تكمن الفرص!

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد....
في هذه المقالة أنقل لكم تجربة إنسانية فريدة خلاصتها أن فرص نهوض الأمة إنما تكمن في صغار العلم و رخيصه.
هي تجربة الاتحاد السويسري.
قال الأستاذ محمد أحمد الراشد في كتابه "منهجية التربية الدعوية" بتصرف يسير:
قبل أربعة قرون, و بعد معارك انتصر فيها السويسريون على جيوش النمسا: عاونوا البابا في إيطاليا ضد ملك فرنسا الغازي لها, و انتصروا عام 1513م, في معركة ميلانو, و لكن ملك فرنسا عاود الهجوم عام 1515م و احتل ميلانو و هزمهم, فقرر السويسريون انتهاج سياسة الحياد, و ارتضوها لأنفسهم منذ ذلك اليوم, و قلصوا حجم جيشهم, و التزموا الحياد كسياسة دائمة.
لكن الزمان كان زمان النهضة العلمية و الثورة الصناعية, و قادت بريطانيا هذه الثورة, و لحقت بها فرنسا و ألمانيا ثم إيطاليا, و كثر الإنتاج بسبب استعمال الآلة, فكان لابد من إيجاد أسواق كبيرة لتصريف هذا الإنتاج الضخم و جمع أموال الشعوب و لتوفير مصدر مجاني لا ينضب من المواد الأولية, فكان الاستعمار و الصراع بين الدول الكبرى على احتلال بلدان أفريقيا و آسيا من أجل ذلك.
هنا وجد السويسريون أنفسهم في مأزق, أنهم بحكم الحياد لا يستطيعون انتهاج سياسة استعمارية تضمن موارد الخامات و التسويق الواسع, و لذلك فإنهم إن أنتجوا نفس منتجات الدول الكبرى فإن عامل المنافسة لا يكون في صالحهم و سيُغلبون و يتحطم اقتصادهم بعد حين.
ثم تأملوا فوجدوا أنهم في مأزق آخر: أن دولتهم لا تطل على بحر, بل هي مغلقة و تحيط بها جبال عالية, و ذلك يعني انتفاء إمكانية الشحن البحري الرخيص, و أن إنتاج الأشياء الثقيلة سيضاعف عليهم أجور النقل, فتنتفي مرة ثانية إمكانية المنافسة في الأسعار, فوق ما في النقل البري من تعقيد سياسي, و أن بإمكان الدول المجاورة حصار سويسرا إذا كان ضروريا لحماية اقتصاد الدول الاستعمارية.
إذن ما العمل, و كيف المخرج؟
هنا كان الإبداع و القفز على المصاعب و استثمار ظاهرة (رب ضارة نافعة). عبر مؤتمرا, ربما, أو عمل مجالس تخطيط, توصل السويسريون إلى حل ذي شعبتين, و أضافت له الأيام ثالثا.
رأوا أولا أن الدول الاستعمارية تنتج الإنتاج الثقيل, و الإنتاج الاستهلاكي الواسع, فاختاروا الصناعات الخفيفة و الإنتاج للخاصة, مما يخف حمله, و يغلو ثمنه, و تحتاجه حتى الدول الاستعمارية نفسها, و هكذا ازدهرت صناعة الساعات بشكل خاص, و العدسات و النظارات و إطاراتها, و جلي الأحجار الثمينة و صياغتها في حلي, و تصفية الذهب و ضمانه من الغش, و الأقلام, و المنسوجات الراقية المستوى, و أمثال ذلك, و تخصصوا في هذه المجالات.
ثم رأوا ثانية أن حالة الحياد تعني الاستقرار و الأمن الدائم, و هذا شرط مهم لحركة المال, فابتكروا التوسع في إنشاء البنوك و منحوا العملاء ضمان السرية التامة لما يودعون, فاجتمعت عندهم أموال الأثرياء من أوروبا و كل العالم, و أموال الحكام السارقين للأموال العامة, و أموال المافيا, فتوسعوا في الائتمان المصرفي و إقراض معامل الدول الاستعمارية و تحصيل فارق الربا, أي أنهم اشتغلوا بأموال غيرهم, حتى صارت سويسرا أغنى الأغنياء.
ثم مع الأيام وجد السويسريون أنفسهم أنهم لا يخصصون ثلث أو نصف ميزانياتهم لتكوين جيش و شراء أسلحة, أو معظم ميزانياتهم لخوض حروب, بل كان المال المخصص لذلك يذهب لبناء البلد و تحسين البنية الأساسية و تحقيق معيشة الرفاه للشعب, و كان المزيد من السواعد يعمل في ذلك بدل حمل البندقية, فازدهرت سويسرا, لصغر جيشها, و هي حالة شبيهة لما حصل لألمانيا و اليابان بعد الحرب العالمية الثانية لما منعتا من تكوين جيوش, فتحول الرصيد العسكري إلى البناء السلمي, فكان التفوق الحالي للدولتين. و قد واكب الازدهار السويسري تقدم وسائل المواصلات, فصارت سويسرا مكان السياحة الأول في العالم, و اشترى الأثرياء فيها قصورا, بسبب أمنها, و صارت مكانا للمؤتمرات و المفاوضات و مراكز المنظمات, و انفتح مصدر ثالث للمال بعد المصدرين الأولين.
و كل ذلك إما هو عطاء المنهجية و التخطيط و التفكير السليم.
ويح أمه هذا الساذج الذي يتململ و يقول: تريدنا هكذا أهل ربا و نأكل صدقات السائحين؟
و ما عنينا هذا يا أخي, إنما نريد أن نفكر كما فكروا, و نبتكر لأمتنا ما يليق بها على ضوء معطيات الواقع.
فالتمكين لا يهدى إلينا هدية, و لا يأتي بتعب العضلات و الكدح فقط, بل بكد العقل أيضا, و التفتيش عن مسارب التملص من المعضلات, و لئن أغضبا أحد أخرى ... لنسكتن!