الجمعة، يناير 18، 2008

سنن العرب في تسمية أبنائهم

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله, و بعد...
قال العلامة الشيخ محمد بشير الإبراهيمي الجزائري - رحمه الله تعالى - في نقد من تكنى بأبي السعادات, و نحوها من الكُنى الأعجمية:
(من سنن العرب أنهم يجعلون الاسم سمة للطفولة, و الكنية عنوانا على الرجولة, و لذلك كانوا لا يكتنون إلا بنتاج الأصلاب و ثمرات الأرحام من بنين و بنات, لأنها الامتداد الطبيعي لتاريخ الحياة بهم, و لا يرضون بهذه الكنى و الألقاب الرخوة إلا لعبيدهم؛ و ما راجت هذه الكنى و الألقاب المهلهلة بين المسلمين إلا يوم تراخت العُرى الشاذة لمجتمعهم, فراج فيهم التخنث في الشمائل و التأنث في الطباع و الارتخاء في العزائم, و النفاق في الدين؛ و يوم نسي المسلمون أنفسهم فأضاعوا الأعمال التي يتمجد بها الرجال, و أخذوا بالسفاسف التي يتلهى بها الأطفال؛ و فاتتهم العظمة الحقيقية فالتمسوها في الأسماء و الكنى و الألقاب؛ و لقد كان العرب صخورا و جنادل يوم كان من أسمائهم صخر و جندلة, و كانوا غصصا و سموما يوم كان فيهم مُرَّةٌ و حنظلة؛ و كانوا أشواكا و أحساكا يوم كان فيهم قتادةُ و عَوْسَجَة, فانظر ما هم اليوم؟ و انظر أي أثر تتركه الأسماء في المسميات؟ و اعتبر ذلك في كلمة "سيدي" و أنها ما راجت بيننا و شاعت فينا إلا يوم أضعنا السيادة, و أفلتت من أيدينا القيادة. و لماذا لم تشع في المسلمين يوم كانوا سادة الدنيا على الحقيقة؛ و لو قالها قائل لعُمَرَ لهاجت شِرَّتُه, و لبادرت بالجواب دِرَّتُه)ا.هـ. نقلا عن "التعالم" للعلامة بكر أبي زيد.

الدرس الأخير!

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله, و بعد...
الدرس الأخير....
هو عنوان قصة قصيرة (تصور تلميذا فرنسيا في مقاطعة الإلزاس و اللورين ظل متمردا على أستاذ اللغة الفرنسية و لا يعتني بقواعد لغتها و نحوها, حتى احتل الألمان إقليمه في حرب السبعين في القرن التاسع عشر, و قرروا تدريس اللغة الألمانية بدل الفرنسية, فيجمع المدرس تلامذته ليلقي عليهم الدرس الفرنسي الأخير في اسم الفاعل و المفعول, و عندئذ يستولي الندم على الطالب المتمرد المقصر في تعلّم لغته, و لكن لات حين مندم, فإن المحتل لا يراعي شعور نادم مفرّط, بل يفرض لغته)(1).
فلولا كان من أبناء الإسلام أولو بقية يعتزون بلغتهم و يتقنونها قبل أن تلقنهم الأيام مثل هذا الدرس الأخير؟؟؟!!!
------------
(1) نقلا عن "منهجية التربية الدعوية" للأستاذ محمد أحمد الراشد

السبت، يناير 12، 2008

هناك في صغير العلم و رخيصه تكمن الفرص!

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد....
في هذه المقالة أنقل لكم تجربة إنسانية فريدة خلاصتها أن فرص نهوض الأمة إنما تكمن في صغار العلم و رخيصه.
هي تجربة الاتحاد السويسري.
قال الأستاذ محمد أحمد الراشد في كتابه "منهجية التربية الدعوية" بتصرف يسير:
قبل أربعة قرون, و بعد معارك انتصر فيها السويسريون على جيوش النمسا: عاونوا البابا في إيطاليا ضد ملك فرنسا الغازي لها, و انتصروا عام 1513م, في معركة ميلانو, و لكن ملك فرنسا عاود الهجوم عام 1515م و احتل ميلانو و هزمهم, فقرر السويسريون انتهاج سياسة الحياد, و ارتضوها لأنفسهم منذ ذلك اليوم, و قلصوا حجم جيشهم, و التزموا الحياد كسياسة دائمة.
لكن الزمان كان زمان النهضة العلمية و الثورة الصناعية, و قادت بريطانيا هذه الثورة, و لحقت بها فرنسا و ألمانيا ثم إيطاليا, و كثر الإنتاج بسبب استعمال الآلة, فكان لابد من إيجاد أسواق كبيرة لتصريف هذا الإنتاج الضخم و جمع أموال الشعوب و لتوفير مصدر مجاني لا ينضب من المواد الأولية, فكان الاستعمار و الصراع بين الدول الكبرى على احتلال بلدان أفريقيا و آسيا من أجل ذلك.
هنا وجد السويسريون أنفسهم في مأزق, أنهم بحكم الحياد لا يستطيعون انتهاج سياسة استعمارية تضمن موارد الخامات و التسويق الواسع, و لذلك فإنهم إن أنتجوا نفس منتجات الدول الكبرى فإن عامل المنافسة لا يكون في صالحهم و سيُغلبون و يتحطم اقتصادهم بعد حين.
ثم تأملوا فوجدوا أنهم في مأزق آخر: أن دولتهم لا تطل على بحر, بل هي مغلقة و تحيط بها جبال عالية, و ذلك يعني انتفاء إمكانية الشحن البحري الرخيص, و أن إنتاج الأشياء الثقيلة سيضاعف عليهم أجور النقل, فتنتفي مرة ثانية إمكانية المنافسة في الأسعار, فوق ما في النقل البري من تعقيد سياسي, و أن بإمكان الدول المجاورة حصار سويسرا إذا كان ضروريا لحماية اقتصاد الدول الاستعمارية.
إذن ما العمل, و كيف المخرج؟
هنا كان الإبداع و القفز على المصاعب و استثمار ظاهرة (رب ضارة نافعة). عبر مؤتمرا, ربما, أو عمل مجالس تخطيط, توصل السويسريون إلى حل ذي شعبتين, و أضافت له الأيام ثالثا.
رأوا أولا أن الدول الاستعمارية تنتج الإنتاج الثقيل, و الإنتاج الاستهلاكي الواسع, فاختاروا الصناعات الخفيفة و الإنتاج للخاصة, مما يخف حمله, و يغلو ثمنه, و تحتاجه حتى الدول الاستعمارية نفسها, و هكذا ازدهرت صناعة الساعات بشكل خاص, و العدسات و النظارات و إطاراتها, و جلي الأحجار الثمينة و صياغتها في حلي, و تصفية الذهب و ضمانه من الغش, و الأقلام, و المنسوجات الراقية المستوى, و أمثال ذلك, و تخصصوا في هذه المجالات.
ثم رأوا ثانية أن حالة الحياد تعني الاستقرار و الأمن الدائم, و هذا شرط مهم لحركة المال, فابتكروا التوسع في إنشاء البنوك و منحوا العملاء ضمان السرية التامة لما يودعون, فاجتمعت عندهم أموال الأثرياء من أوروبا و كل العالم, و أموال الحكام السارقين للأموال العامة, و أموال المافيا, فتوسعوا في الائتمان المصرفي و إقراض معامل الدول الاستعمارية و تحصيل فارق الربا, أي أنهم اشتغلوا بأموال غيرهم, حتى صارت سويسرا أغنى الأغنياء.
ثم مع الأيام وجد السويسريون أنفسهم أنهم لا يخصصون ثلث أو نصف ميزانياتهم لتكوين جيش و شراء أسلحة, أو معظم ميزانياتهم لخوض حروب, بل كان المال المخصص لذلك يذهب لبناء البلد و تحسين البنية الأساسية و تحقيق معيشة الرفاه للشعب, و كان المزيد من السواعد يعمل في ذلك بدل حمل البندقية, فازدهرت سويسرا, لصغر جيشها, و هي حالة شبيهة لما حصل لألمانيا و اليابان بعد الحرب العالمية الثانية لما منعتا من تكوين جيوش, فتحول الرصيد العسكري إلى البناء السلمي, فكان التفوق الحالي للدولتين. و قد واكب الازدهار السويسري تقدم وسائل المواصلات, فصارت سويسرا مكان السياحة الأول في العالم, و اشترى الأثرياء فيها قصورا, بسبب أمنها, و صارت مكانا للمؤتمرات و المفاوضات و مراكز المنظمات, و انفتح مصدر ثالث للمال بعد المصدرين الأولين.
و كل ذلك إما هو عطاء المنهجية و التخطيط و التفكير السليم.
ويح أمه هذا الساذج الذي يتململ و يقول: تريدنا هكذا أهل ربا و نأكل صدقات السائحين؟
و ما عنينا هذا يا أخي, إنما نريد أن نفكر كما فكروا, و نبتكر لأمتنا ما يليق بها على ضوء معطيات الواقع.
فالتمكين لا يهدى إلينا هدية, و لا يأتي بتعب العضلات و الكدح فقط, بل بكد العقل أيضا, و التفتيش عن مسارب التملص من المعضلات, و لئن أغضبا أحد أخرى ... لنسكتن!