السبت، أغسطس 25، 2007

قواعد جديدة لإدارة تكنولوجيا المعلومات ... دروس من التاريخ- الجزء الثالث

بسم الله...

تحدثنا في المقالين السابقين عن الأطوار الثلاثة التي تمر بها تكنولوجيا البنية التحتية في طريقها إلى التشكل. و نأتي هنا إلى بيت القصيد, و هو: أين تكنولوجيا المعلومات في هذه المراحل؟ و ما هي الفرص التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات في مرحلتها الراهنة؟

· و قبل أن أن نجيب على هذه الأسئلة, ينبغي أن نتحدث عن السمات التي تؤهل تكنولوجيا المعلومات لكي تصبح تكنولوجيا بنية تحتية:

1. تكنولوجيا المعلومات في المقام الأول – كما قدمنا في المقالة الأولى- آلية نقل. و كغيرها من أية آلية نقل تكون قيمة تقاسمها (استخدامها المشترك) أكبر بكثير من استخدامها بشكل منفرد.

2. تكنولوجيا المعلومات قابلة للنسخ و إعادة الإنتاج بشكل تام و دون تكلفة فعلية. و يعزز ذلك سهولة نسخ المعلومات (المعلومات مخزنة في صورة أصفار و آحاد), و القابلية للقياس التي أدت إلى شيوع التطبيقات السائبةGeneric Applications /العامة/متعددة الأغراض , و أخيرا القابلية للتقييس التقني Standardization.

3. الطابع السلعي: لقد سارع وصول الإنترنت من اكتساب تكنولوجيا المعلومات للطابع السلعي و ذلك من خلال تقديم قناة توزيع متكاملة للتطبيقات. و بشكل متزايد ستؤمن الشركات احتياجاتها إلى تكنولوجيا المعلومات ببساطة عن طريق شراء خدمات الشبكة المأجورة من أطراف خارجية على الشكل نفسه الذي تشتري به حاليا الطاقة الكهربائية أو خدمات الاتصال البعيد. و تحاول الآن معظم الشركات البائعة للشطر الأعظم من التكنولوجيا التجارية (كميكروسوفت و أي بي إم IBM) أن تجعل من نفسها مرافق عامة لتكنولوجيا المعلومات.

4. لجميع الأسباب التي ذكرناها, فإن تكنولوجيا المعلومات عرضة لانكماش سعريPrice Deflation سريع.

· بينما لا يمكن لأحد أن يحدد بدقة موعد نهاية عملية تشكل تكنولوجيا البنية التحتية, فإن هناك إشارات عدة بأن تشكل تكنولوجيا المعلومات بات أقرب إلى نهايته من بدايته. و من هذه الإشارات:

1. تتجاوز قدرة التكنولوجيا معظم الحاجات التجارية التي تعمل على تلبيتها.

2. لقد هبط سعر وظيفة تكنولوجيا المعلومات الأساسية إلى حد هو تقريبا باستطاعة الجميع.

3. لقد أدركت استيعابية شبكة التوزيع العالمي (الإنترنت) حجم الطلب – هناك في الحقيقة و منذ زمن قدرة استيعابية من الألياف البصرية فائضة عن الحاجة.

4. يندفع الآن بائعوا منتجات تكنولوجيا المعلومات إلى ترسيخ أنفسهم كموردي سلع Commodity Suppliers, و حتى كمرافق عامة.

5. انفجرت فقاعة الاستثمار التي كانت مؤشرا واضحا على قرب بلوغ تكنولوجيا البنية التحتية إتمام شكلها.

· الفرص التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات في مرحلتها الراهنة:

مع الاختفاء السريع لفرص اكتساب ميزة استراتيجية[i] من تكنولوجيا المعلومات, ستجد الشركات نفسها راغبة في النظر بشكل صارم إلى أسلوب استثمارها في تكنولوجيا المعلومات و إدارة نظمها. و كنقطة انطلاق, ها هنا بعض الإرشادات للمستقبل:

1. تقليل الإنفاق:

§ يخشى بعض المديرين التنفيذيين من أن عدم السخاء في الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات سيضر بمراكزهم التنافسية, مع أن الدراسات المتعلقة بالإنفاق على تكنولوجيا المعلومات تظهر أنه من النادر أن يترجم الإنفاق الكبير إلى نتائج مالية ممتازة. بل العكس هو الصحيح عادة. ففي عام 2003 قارنت شركة الاستشارات Alinean الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات بالنتائج المالية لـ 7500 من كبريات الشركات الأمريكية, و وجدت أن أفضل الشركات إنجازا نزعت لتكون بين أكثر الشركات اقتصادا في النفقات. فلقد أنفقت الشركات الخمس و العشرين التي حققت أعلى العوائد الاقتصادية, على سبيل المثال, ما نسبته 0.8% من إيراداتها بالمتوسط على تكنولوجيا المعلومات, في حين أنفقت الشركة النموذجية (العادية) 3.7%. و قد أظهرت دراسة أجراها مركز Forrester Research, بالمثل, أنه من النادر أن تحقق الشرمات التي تنفق بتبذير على تكنولوجيا المعلومات نتائج أفضل, حتى أن رئيس شركة أوراكل Oracle, لاري أيليسون Larry Ellison, إحدى كبريات الشركات البائعة لتكنولوجيا المعلومات, قال (( معظم الشركات تنفق الكثير جدا على تكنولوجيا المعلومات و تحصل في المقابل على النذر اليسير)).

§ إن كثيرا من الإنفاق تحرضه استراتيجيات بائعي التكنولوجيا. فقد أصبح كبار موردي المعدات و البرمجيات بارعين جدا في توزيع و ترتيب المزايا و الإمكانات الجديدة بطرائق تجبر الشركات على شراء الجديد من الحواسب و التطبيقات و تجهيزات الشبكات بتواتر أكبر مما هم بحاجة إليه.

§ تتطلب الإدارة الصارمة للتكاليف دقة أكبر في الابتكار لاكتشاف بدائل أبسط و أرخص, و انفتاحا أكبر على عملية شراء الخدمة Outsourcing و التطبيقات مفتوحة المصدر Open-source applications و الحواسب الشبكية البسيطة, حتى إذا كان ذلك سيعني التضحية بالمزايا. و إذا طلبت الشركة الحصول على دليل عن مقدار الأموال التي يمكن توفيرها, فينبغي أن تنظر إلى هامش الربح عند شركة مايكروسوفت Microsoft.

§ يمكن أن تجني معظم الشركات وفورات مهمة ببساطة عن طريق الحد من الهدر. فمثلا, كل عام تشتري مشاريع الأعمال أكثر من 100 مليون حاسب شخصي, معظمها كبدائل للنماذج الأقدم. و مع ذلك فإن الغالبية العظمى من العاملين الذين يستخدمون الحواسب الشخصية يعتمدون فقط على بضعة تطبيقات بسيطة - كمعالجة الكلمات, و الجداول, و البريد الإلكتروني, و تصفح الشبكة الدولية - و قد كانت هذه التطبيات ناضجة منذ عدة سنوات. و هي تتطلب فقط جزءا من القدرة الحاسوبية التي تقدمها المعالجات الدقيقة اليوم. و مع ذلك, تستمر الشركات في إجراء تحديثات شاملة في المعدات و البرمجيات.

§ افتقدت الشركات – إلى جانب السلبية في مشترياتها – افتقدت إلى البراعة في استخدام تكنولوجيا المعلومات. و يصح ذلك بوجه التحديد على مسألة تخزين البيانات, و التي أصبحت مسؤولة عن نصف نفقات العديد من الشركات على تكنولوجيا المعلومات. فقد قدرت مجلة عالم الحاسب أن ما مقداره 70% من القدرة التخزينية لأي شبكة نموذجية تعمل على نظام ويندوز هو طاقة مهدورة, أي إنفاق هائل لا ضرورة له. فهو يتألف من رسائل البريد الإلكتروني و الملفات المخزنة من قبل العالين, بما فيها تيرا بايتات Terabytes من المواد الترويجية الإلكترونية Spam, و ملفات الموسيقى MP3, و الفيديو كليب.

إن تقييد حرية العاملين في تخزين الملفات دون تمييز و دون تحديد قد لا يبدو أمرا مستساغا للعديد من المديرين. لكن يمكن أن يكون له أثر حقيقي على عنصر الربح.

2. التبعية و ليس القيادة:

§ يؤكد قانون مور[ii]Moore's Law أنه كلما طال تأجيل القيام بشراء منتجات تكنولوجيا المعلومات, زادت قيمة المنفعة التي تحققها الأموال المنفقة. و سيقلل الانتظار من مخاطرة شراء المنتجات المعيبة تكنولوجيا أو التي سيكون مصيرها التقادم السريع.

§ في بعض الحالات يكون الحصول على أفضل التكنولوجيا المتاحة عملا مجديا, لكن هذه الحلات تتناقص أكثر و أكثر مع التجانس المتزايد لقدرات تكنولوجيا المعلومات.

§ لقد زادت العديد من الشركات, و خصوصا في عقد التسعينات, من استثمارها في تكنولوجيا المعلومات إما أملا منها في اقتناص ميزة أول المتحركين أو خشية من أن يفوتها الركب. و لم يكن هناك ما يؤكد صحة هذه الآمال أو المخاوف, إلا في حالات نادرة جدا. فلم يزل أكثر مستخدمي التكنولوجيا فطنة – كشركة ديل Dell و شركة وال-مارت Wal-Mart – متخلفين كثيرا عن أحدث التطورات, بانتظار القيام بعمليات الشراء إلى حين تترسخ المعايير و أفضل الأساليب. هذه الشركات تترك منافسيها فاقدي الصبر يتحملون التكاليف المرتفعة للتجريب Experimentation, و من ثم تتخطاهم بإنفاق أقل و إيراد أكبر.

3. التركيز على نقاط الضعف, و ليس على الفرص:

§ عندما يصبح المورد أساسيا للمنافسة و هامشيا للاستراتيجية, فإن المخاطر التي يخلقها تتجاوز الميزات التي يقدمها. و لنأخذ الكهرباء مثالا: إذ لا تبني أي شركة اليوم استراتيجيتها حول استخدام الكهرباء, لكن مجرد حدوث انقطاع قصير في التزويد بالتيار الكهربي يمكن أن يكون مدمرا(كما وجدت بعض المشاريع العاملة في كاليفورنيا خلال أزمة الطاقة عام 2000).

§ مع استمرار الشركات في التنازل عن سيطرتها على التطبيقات في مجال تكنولوجيا المعلومات و الشبكات إلى الشركات البائعة و الأطراف الخارجية, تتعاظم التهديدات التي تواجهها, فهي بحاجة إلى الاستعداد للتعامل مع الأخطاء التقنية, و التقادم, و انقطاع الخدمة, و الموردين أو الشركاء غير الموثوقين, و الثغرات الأمنية... الأمر الذي يحول اهتمامها من التركيز على الفرص إلى التركيز على نقاط الضعف.

4. قد يكون عدد قليل من الشركات قادرا على اقتناص الميزات من التطبيقات عالية التخصص التي لا تقدم حوافز اقتصادية لعملية النسخ, لكن تلك الشركات ستكون استثناءات من القاعدة.

· السؤال الأهم على الإطلاق: أين أمتنا من قطار تكنولوجيا المعلومات؟؟؟؟ لعل الإجابة تأتي في حديث لاحق – إن شاء الله تعالى.

و السلام...




[i] إن ما يجعل موردا ما Resource استرايجيا بحق – و ما يعطيه القدرة أن يكون أساسا لميزة تنافسية مستدامة – ليس الرسوخ Ubiquity و إنما الندرة Scarcity. و الآن أصبحت الوظائف الأساسية لتكنولوجيا المعلومات متوفرة و في متناول الجميع.

[ii] قانون مور Moore's Law: كثافة الدارات الإلكترونية على الشريحة الحسابية ستتضاعف كل عامين. و هذا إن كان تنبؤا عن الزيادة الهائلة القادمة في قوة المعالجة, إلا أنه أيضا تنبؤ عن عن الانخفاض الشديد القادم في سعر الوظيفة الحسابية.

قواعد جديدة لإدارة تكنولوجيا المعلومات ... دروس من التاريخ- الجزء الثاني

بسم الله...

تحثنا في المقالة السابقة عن المرحلة الأولى من مراحل تشكل تكنولوجيا البنية التحتية, و عن الفرص التي تتيحها هذه المرحلة. لكن المصيدة التي يقع فيها الكثير من رجال الأعمال هي افتراضهم أن فرص الوصول إلى مميزات التكنولوجيا الجديدة ستكون متاحة بلا نهاية. و الحق أن هذه الميزات تكون متاحة لفترة و جيزة. فسرعان ما تدخل التكنولوجيا الوليدة في مراحل متقدمة من تشكلها.

* المرحلة الثانية: السباق نحو التشكل (التحول إلى الطابع السلعي)

· عندما تبدأ التكنولوجيا باكتساب التقدير على نطاق واسع, تُوجه إليها أموال ضخمة للاستثمار فيها, و أحيانا تُذهِل الإمكانات التجارية غير المحدودة للتكنولوجيا الأفرادَ و الشركات فيبددوا فيها مبالغ ضخمة من الأموال على مشاريع و منتجات غير مدروسة على نحو جيد. فيفضي الاندفاع إلى الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة إلى اشتداد المنافسة و زيادة القدرة الاستيعابية و انخفاض الأسعار؛ الأمر الذي يجعل التكنولوجيا في قدرة و متناول الجميع.

· مثال من تاريخ السكك الحديدية: في فترة الثلاثين عاما بين 1846 و 1876 ازداد مجمود طول السكك الحديدية في العالم أجمع من 17424 كيلومترا إلى 309641 كيلومترا. هذا الازدهار الذي شهدته السكك الحديدية (و كل ما يتصل بها من تقنيات المحرك البخاري و التلغراف) ساعد ليس فقط على توليد فرط الطاقة الاستيعابية على نطاق واسع, و إنما أيضا على إحداث فائض في الإنتاجية. و هذان الأمران هيآ الساحة لعقدين قاسيين من انكماش الأسعار.

· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: مع بداية ظهور الحواسب الشخصية و البرمجيات الشاملة Packaged Software, و اقتران ذلك بنشوء معايير العمل الشبكي Networking standards, أخذت نظم الاتصال المملوكة تفقد جاذبيتها في عيون المستخدمين و صارت غير اقتصادية بالنسبة لمالكيها. فمثلا, مع بزوغ فجر التسعينات, و بعد اندماج AHS (التي تحدثنا عنها في المقالة السابقة) مع باكستير ترافينول Baxter Travenol ليشكلا باكستير انترناشونال Baxter International, كان كبيرو المديرين التنفيذيين في الشركة قد نظروا إلى نظام ASAP (الذي تحدثنا عنه في المقالة السابقة) باعتباره "عبئا ثقيلا حول رقابهم" وفقا لإحدى دراسات الحالة في مدرسة هارفارد للأعمال Harvard Business School.

* المرحلة الثالثة: الرسوخ كبنية تحتية

· لما تتقدم عملية تشكل تكنولوجيا البنية التحتية بسرعة عالية, يُجبَر المستخدمون على تبني مقاييس تقنية عالمية, مما يؤدي إلى تقادم نظم الملكية السائدة في المرحلة الأولى. و حتى طرق استخدام التكنولوجيا تبدأ في اتخاذ شكل قياسي مع انتشار القدرة على فهم و تطبيق أفضل الأساليب. و في النهاية كثيرا ما تصبح هذه الأساليب الفضلى جزءا من البنية التحتية للكنولوجيا نفسها. فبعد الكهربة Electrification أُنشأت حميع المصانع الجديدة لتضم مآخذ للطاقة الكهربائية موزعة بشكل جيد.

· طبيعة تكنولوجيا البنية تحتية:

1. انتشار و فعالية تكنولوجيا البنية التحتية يحولان وظائفها من موارد تحمل الطابع الاستراتيجي إلى عناصر إنتاج تحمل الطابع السلعي. أي تتحول لتأخذ شكل تكاليف أداء العمل التجاري التي يجب على الجميع دفعها مع أنها لا تقدم التميز لأي منهم.

2. إن أهمية تقنيات البنية التحتية بالنسبة للعمليات التشغيلية اليومية في مشاريع الأعمال تعني أنها تستمر في امتصاص كميات ضخمة من أموال الشركات حتى بعد فترة طويلة من اكتسابها الطابع السلعي – في العديد من الحالات, دون تحديد. و تستمر كل الشركات اليوم افتراضيا بالإنفاق بغزارة على الكهرباء و خدمات الهاتف, على سبيل المثال, و يستمر العديد من المصنعين في إنفاق الكثير على النقل عبر السكك الحديدية.

3. الطبيعة النمطية لتقنيات البنية التحتية كثيرا ما تفضي إلى تشكل الاحتكارات Monopolies و احتكارات القلة Oligopoly المربحة. و المثال الذائع الصيت هنا من تكنولوجيا المعلومات هو شركة مايكروسوفت و سياساتها الاحتكارية التي أدت إلى رفع دعاوى قضائية عديدة ضدها.

· الميزات التي تتيحها هذه المرحلة:

1. إن الميزة الوحيدة التي تأمل معظم الشركات باكتسابها من تكنولوجيا البنية التحتية بعد تشكلها هي ميزة التكلفية – وحتى المحافظة على هذه الميزة تصبح عملا صعبا.

2. هذا لا يعني أن تقنيات البنية التحتية لم تعد تؤثر في حالة المنافسة. بل إنا ستظل مؤثرة, لكن آثارها تُلمس على مستوى الاقتصاد الكلي, و ليس على مستوى الشركات الفرد. فإذا تأخر أحد البلدان, على سبيل المثال في تطبيق التكنولوجيا – سواء كانت شبكة خطوط حديدية أو بنية تحتية للاتصالات – فإن الصناعات المحلية ستعاني بشدة.

و للحديث صلة إن شاء الله تعالي...

قواعد جديدة لإدارة تكنولوجيا المعلومات ... دروس من التاريخ- الجزء الأول

بسم الله...

* مقدمة

تكنولوجيا المعلومات Information Technology بمعناها العام المتداول, هي التقنية المستخدمة في معالجة و تخزين و نقل المعلومات بالشكل الرقمي.

و يمكن النظر إلى تكنولوجيا المعلومات IT باعتبارها الأحدث في سلسلة من التكنولوجيا واسعة الانتشار التي أعادت تشكيل وجه الصناعة على امتداد القرنين الماضيين – من المحرك البخاري و السكك الحديدية إلى التلغراف و الهاتف إلى المولد الكهربائي و المحرك الداخلي الاحتراق.

فإذا نظرنا إلى تكنولوجيا المعلومات باعتبارها في المقام الأول آلية نقل: إذ أنها تحمل المعلومات الرقمية تماما كما تحمل الخطوط الحديدية البضائع و كما تحمل شبكات الطاقة الكهرباء, فيمكننا بإجراء مراجعة سريعة لتاريخ هاتين التقنيتين – أعني السكك الحديدية و الطاقة الكهربائية - استلهام دروس عدة في إدارة تكنولوجيا المعلومات.

* المرحلة الأولى:تقنية الملكية

· في المراحل الأولى من تشكل تكنولوجيا البنية التحتية, تأخذ هذه التكنولوجيا شكل ((تقنية الملكية)) و هي التقنيات التي يمكن تملُّكها بالفعل, كبراءات الاختراع مثلا. و طالما بقيت إمكانية الوصول إلى هذه التكنولوجيا الجديدة مقيدة – عبر القيود المادية, أو حقوق الملكية الفكرية, أو التكاليف المرتفعة, أو نقص المعايير – يمكن للشركات أن تستخدم هذه التكنولوجيا لكسب ميزة على المنافسين عن طريق امتلاك ما لا يملكوه أو عمل ما لا يمكن أن يقوموا به الآن.

· الميزات التي تتيحها هذه المرحلة:

1. مجرد استخدام هذه التقنية قد يتيح فرصا تنافسية عالية.

· مثال من تاريخ الطاقة الكهربائية: في الفترة الفاصلة بين إنشاء أولى محطات الطاقة الكهربائية, حولي عام 1880, و مد الشبكات الكهربائية في أوائل القرن العشرين, ظلت الكهرباء موردا نادرا في ذلك الوقت, و كثيرا ما حصل أولئك المنتجون الصناعيون القادرون على الوصول إليها – عن طريق بناء معاملهم في جوار محطات التوليد, على سبيل المثال – كثيرا ما حصلوا على أفضلية على منافسيهم؛ إذ أن الطاقة الكهربائية أتاحت لهم أساليب تشغيل جديدة أكثر كفاءة.

2. التركيز على خصائص تقنيات البنية التحتية الشائعة في المراحل الأولى من تشكلها, و خصوصا التكلفة المرتفعة لهذه البنية و افتقادها لعنصر التقييس/ التنميط (Standardization) قد يتيح المزيد من الفرص.

· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: جاء موزع المواد الطبية American Hospital Supply (AHS) عام 1976 بنظام ابتكاري يدعى الشراء المؤتمت للنظم التحليلية Analytic Systems Automated Purchasing (ASAP). هذا النظام مكّن المستشفيات من طلب المواد بشكل إلكتروني عن طريق برمجيات ملكية تعمل على الحاسبات الكبيرة Mainframes, متصلة بأجهزة طرفية Terminals لدى وكلاء الشراء العاملين لدى المستشفيات. و نظرا لارتفاع كفاءة الطلب, فقد مكّن هذا النظام المستشفيات من تخفيض مخزونها و بالتالي تكاليفها. و لأن ASAP حمل شكل الملكية لـ AHS فظل AHS لعدة سنوات هو الموزع الوحيد الذي يوفر أسلوب الطلب الإلكتروني Electronic Ordering. و كان هذا ميزة تنافسية قادت إلى سنوات من النتائج المالية الممتازة لـ AHS.

3. امتلاك فهم أشمل لطريقة استخدام التقنية الجديدة أو التطبيق الابتكاري للتقنية الجديدة قد يتيح فرصا تنافسية عالية.

· مثال من تاريخ الطاقة الكهربائية: حتى نهاية القرن التاسع عشر اعتمد معظم المصنعين على قوة ضغط الماء أو البخار لتشغيل آلاتهم. و كان الحصول على الطاقة في تلك الأيام يتم فقط من مصدر واحد ثابت – مثلا دولاب ماء بجانب طاحونة – و كان يتطلب فقط نظاما متقنا من البكرات و التروس لتوزيع الطاقة. و عندما أصبحت مولدات الكهرباء متاحة للمرة الأولى, قام العديد من المصنعين بكل بساطة بتبنيها كمصدر بديل للطاقة و استخدموها لتغذية نظام البكرات و التروس السائد بالطاقة. أما المصنعون الحاذقون فقد أدركوا أن أعظم ميزات الطاقة الكهربائية هي سهولة التوزيع. فأوصلوا معاملهم بأسلاك الكهرباء و ركبوا المحركات الكهربائية في آلاتهم, فاستغنوا بذلك عن نظام التروس المكلف و البطيء و صعب المراس (غير المرن)؛ الأمر الذي أكسبهم ميزة مهمة في عنصر الكفاءة على منافسيهم الذين لم يتمتعوا بسرعة الحركة.

· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: استخدمت بعض الشركات تكنولوجيا المعلومات لاكتساب ميزات تشغيلية أو تسويقية محددة للتفوق على المنافسين في إحدى العمليات أو الأنشطة. مثال ذلك: الخطوط الجوية الأمريكية بنظام حجزها المسمى Sabre, و فيديرال إكسبريس Federal Express بنظامها المسمى نظام تعقب الطرود Package Tracking System, و موبيل أويل Mobil Oil بنظام مدفوعاتها المؤتمت Speedpass.

4. استشراف مستقبل التقنية الجديدة أو امتلاك فهم أعمق للطريقة التي ستغير بها التكنولوجيا وجه الصناعة قد يعني احتلال مراكز السيطرة دون المنافسين قصيري النظر.

· مثال من تاريخ السكك الحديدية: في أواسط القرن السابع عشر عندما بدأت أمريكا مد خطوط السكك الحديدية بشكل جدي, كان من الممكن قبل ذلك نقل البضائع عبر مسافات بعيدة عن طريق البواخر. و من المحتمل أن يكون رجال الأعمال قد افترضوا أن النقل عبر السكك الحديدية سيتبع آثار نموذج النقل بالبواخر مع بعض التحسينات الإضافية. لكن الذي حدث أن انتشار و استيعاب السكك الحديدية غيّر شكل الصناعة الأمريكية بشكل جذري. و فجأة أصبح من الاقتصادي شحن المنتجات النهائية بالسفن إلى مسافات بعيدة, بدلامن الاكتفاء بشحن المواد الأولية و الأجزاء الصناعية فقط. و بذلك جاء إلى الوجود سوق الاستهلاك الكبير. و اندفعت الشركات التي كانت الأسرع في الانتباه إلى الفرصة الكبيرة في بناء مصانع الإنتاج الكبير واسع النطاق. و قد سمحت وفورات الحجم (مقدار الوفر الذي يحققه المشروع مع تزايد أعماله) لهذه الشركات بسحق المصانع المحلية الصغيرة التي سيطرت حتى ذلك الحين على الصناعة.

· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: تمكنت شركة رويترز بشبكة معلوماتها المالية في السبعينات, و شركة eBay بنظام المناقصات عبر الشبكة الدولية, تمكنتا من احتلال مراكز السيطرة عن طريق أنظمتهما الابتكارية.

5. في حالات قلائل, قد تحقق الشركات المسيطرة من خلال الابتكار في التكنولوجيا ميزات إضافية, مثل وفورات الحجم Economies of Scale و تمييز العلامة التجارية Brand Recognition (يعني تمييزها من بين العلامات التجارية المشابهة) و هي ميزات أثبتت أنها أكثر ديمومة من الأفضلية التكنولوجية الأصلية.

· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: وال- مارت Wal-Mart و ديل كمبيوتر Dell Computer هما مثالان ذائعا الصيت عن الشركات التي استطاعت تحويل الميزات التكنولوجية المؤقته إلى ميزات راسخة و دائمة.

و للحديث صلة إن شاء الله تعالي...

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

* هذه المقالة هي إعادة صياغة – مع شيء من التصرف - لمقالة "تكنولوجيا المعلومات, الدور الهامشي" التي ترجمها محمد مجد الدين بكير في مجلة الثقافة العالمية, العدد 123. و أصل هذه المقالة بعنوان IT Doesn't Matter و نشر في مجلة Harvard Business Review عدد مايو 2003.