السبت، أغسطس 25، 2007

قواعد جديدة لإدارة تكنولوجيا المعلومات ... دروس من التاريخ- الجزء الثالث

بسم الله...

تحدثنا في المقالين السابقين عن الأطوار الثلاثة التي تمر بها تكنولوجيا البنية التحتية في طريقها إلى التشكل. و نأتي هنا إلى بيت القصيد, و هو: أين تكنولوجيا المعلومات في هذه المراحل؟ و ما هي الفرص التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات في مرحلتها الراهنة؟

· و قبل أن أن نجيب على هذه الأسئلة, ينبغي أن نتحدث عن السمات التي تؤهل تكنولوجيا المعلومات لكي تصبح تكنولوجيا بنية تحتية:

1. تكنولوجيا المعلومات في المقام الأول – كما قدمنا في المقالة الأولى- آلية نقل. و كغيرها من أية آلية نقل تكون قيمة تقاسمها (استخدامها المشترك) أكبر بكثير من استخدامها بشكل منفرد.

2. تكنولوجيا المعلومات قابلة للنسخ و إعادة الإنتاج بشكل تام و دون تكلفة فعلية. و يعزز ذلك سهولة نسخ المعلومات (المعلومات مخزنة في صورة أصفار و آحاد), و القابلية للقياس التي أدت إلى شيوع التطبيقات السائبةGeneric Applications /العامة/متعددة الأغراض , و أخيرا القابلية للتقييس التقني Standardization.

3. الطابع السلعي: لقد سارع وصول الإنترنت من اكتساب تكنولوجيا المعلومات للطابع السلعي و ذلك من خلال تقديم قناة توزيع متكاملة للتطبيقات. و بشكل متزايد ستؤمن الشركات احتياجاتها إلى تكنولوجيا المعلومات ببساطة عن طريق شراء خدمات الشبكة المأجورة من أطراف خارجية على الشكل نفسه الذي تشتري به حاليا الطاقة الكهربائية أو خدمات الاتصال البعيد. و تحاول الآن معظم الشركات البائعة للشطر الأعظم من التكنولوجيا التجارية (كميكروسوفت و أي بي إم IBM) أن تجعل من نفسها مرافق عامة لتكنولوجيا المعلومات.

4. لجميع الأسباب التي ذكرناها, فإن تكنولوجيا المعلومات عرضة لانكماش سعريPrice Deflation سريع.

· بينما لا يمكن لأحد أن يحدد بدقة موعد نهاية عملية تشكل تكنولوجيا البنية التحتية, فإن هناك إشارات عدة بأن تشكل تكنولوجيا المعلومات بات أقرب إلى نهايته من بدايته. و من هذه الإشارات:

1. تتجاوز قدرة التكنولوجيا معظم الحاجات التجارية التي تعمل على تلبيتها.

2. لقد هبط سعر وظيفة تكنولوجيا المعلومات الأساسية إلى حد هو تقريبا باستطاعة الجميع.

3. لقد أدركت استيعابية شبكة التوزيع العالمي (الإنترنت) حجم الطلب – هناك في الحقيقة و منذ زمن قدرة استيعابية من الألياف البصرية فائضة عن الحاجة.

4. يندفع الآن بائعوا منتجات تكنولوجيا المعلومات إلى ترسيخ أنفسهم كموردي سلع Commodity Suppliers, و حتى كمرافق عامة.

5. انفجرت فقاعة الاستثمار التي كانت مؤشرا واضحا على قرب بلوغ تكنولوجيا البنية التحتية إتمام شكلها.

· الفرص التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات في مرحلتها الراهنة:

مع الاختفاء السريع لفرص اكتساب ميزة استراتيجية[i] من تكنولوجيا المعلومات, ستجد الشركات نفسها راغبة في النظر بشكل صارم إلى أسلوب استثمارها في تكنولوجيا المعلومات و إدارة نظمها. و كنقطة انطلاق, ها هنا بعض الإرشادات للمستقبل:

1. تقليل الإنفاق:

§ يخشى بعض المديرين التنفيذيين من أن عدم السخاء في الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات سيضر بمراكزهم التنافسية, مع أن الدراسات المتعلقة بالإنفاق على تكنولوجيا المعلومات تظهر أنه من النادر أن يترجم الإنفاق الكبير إلى نتائج مالية ممتازة. بل العكس هو الصحيح عادة. ففي عام 2003 قارنت شركة الاستشارات Alinean الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات بالنتائج المالية لـ 7500 من كبريات الشركات الأمريكية, و وجدت أن أفضل الشركات إنجازا نزعت لتكون بين أكثر الشركات اقتصادا في النفقات. فلقد أنفقت الشركات الخمس و العشرين التي حققت أعلى العوائد الاقتصادية, على سبيل المثال, ما نسبته 0.8% من إيراداتها بالمتوسط على تكنولوجيا المعلومات, في حين أنفقت الشركة النموذجية (العادية) 3.7%. و قد أظهرت دراسة أجراها مركز Forrester Research, بالمثل, أنه من النادر أن تحقق الشرمات التي تنفق بتبذير على تكنولوجيا المعلومات نتائج أفضل, حتى أن رئيس شركة أوراكل Oracle, لاري أيليسون Larry Ellison, إحدى كبريات الشركات البائعة لتكنولوجيا المعلومات, قال (( معظم الشركات تنفق الكثير جدا على تكنولوجيا المعلومات و تحصل في المقابل على النذر اليسير)).

§ إن كثيرا من الإنفاق تحرضه استراتيجيات بائعي التكنولوجيا. فقد أصبح كبار موردي المعدات و البرمجيات بارعين جدا في توزيع و ترتيب المزايا و الإمكانات الجديدة بطرائق تجبر الشركات على شراء الجديد من الحواسب و التطبيقات و تجهيزات الشبكات بتواتر أكبر مما هم بحاجة إليه.

§ تتطلب الإدارة الصارمة للتكاليف دقة أكبر في الابتكار لاكتشاف بدائل أبسط و أرخص, و انفتاحا أكبر على عملية شراء الخدمة Outsourcing و التطبيقات مفتوحة المصدر Open-source applications و الحواسب الشبكية البسيطة, حتى إذا كان ذلك سيعني التضحية بالمزايا. و إذا طلبت الشركة الحصول على دليل عن مقدار الأموال التي يمكن توفيرها, فينبغي أن تنظر إلى هامش الربح عند شركة مايكروسوفت Microsoft.

§ يمكن أن تجني معظم الشركات وفورات مهمة ببساطة عن طريق الحد من الهدر. فمثلا, كل عام تشتري مشاريع الأعمال أكثر من 100 مليون حاسب شخصي, معظمها كبدائل للنماذج الأقدم. و مع ذلك فإن الغالبية العظمى من العاملين الذين يستخدمون الحواسب الشخصية يعتمدون فقط على بضعة تطبيقات بسيطة - كمعالجة الكلمات, و الجداول, و البريد الإلكتروني, و تصفح الشبكة الدولية - و قد كانت هذه التطبيات ناضجة منذ عدة سنوات. و هي تتطلب فقط جزءا من القدرة الحاسوبية التي تقدمها المعالجات الدقيقة اليوم. و مع ذلك, تستمر الشركات في إجراء تحديثات شاملة في المعدات و البرمجيات.

§ افتقدت الشركات – إلى جانب السلبية في مشترياتها – افتقدت إلى البراعة في استخدام تكنولوجيا المعلومات. و يصح ذلك بوجه التحديد على مسألة تخزين البيانات, و التي أصبحت مسؤولة عن نصف نفقات العديد من الشركات على تكنولوجيا المعلومات. فقد قدرت مجلة عالم الحاسب أن ما مقداره 70% من القدرة التخزينية لأي شبكة نموذجية تعمل على نظام ويندوز هو طاقة مهدورة, أي إنفاق هائل لا ضرورة له. فهو يتألف من رسائل البريد الإلكتروني و الملفات المخزنة من قبل العالين, بما فيها تيرا بايتات Terabytes من المواد الترويجية الإلكترونية Spam, و ملفات الموسيقى MP3, و الفيديو كليب.

إن تقييد حرية العاملين في تخزين الملفات دون تمييز و دون تحديد قد لا يبدو أمرا مستساغا للعديد من المديرين. لكن يمكن أن يكون له أثر حقيقي على عنصر الربح.

2. التبعية و ليس القيادة:

§ يؤكد قانون مور[ii]Moore's Law أنه كلما طال تأجيل القيام بشراء منتجات تكنولوجيا المعلومات, زادت قيمة المنفعة التي تحققها الأموال المنفقة. و سيقلل الانتظار من مخاطرة شراء المنتجات المعيبة تكنولوجيا أو التي سيكون مصيرها التقادم السريع.

§ في بعض الحالات يكون الحصول على أفضل التكنولوجيا المتاحة عملا مجديا, لكن هذه الحلات تتناقص أكثر و أكثر مع التجانس المتزايد لقدرات تكنولوجيا المعلومات.

§ لقد زادت العديد من الشركات, و خصوصا في عقد التسعينات, من استثمارها في تكنولوجيا المعلومات إما أملا منها في اقتناص ميزة أول المتحركين أو خشية من أن يفوتها الركب. و لم يكن هناك ما يؤكد صحة هذه الآمال أو المخاوف, إلا في حالات نادرة جدا. فلم يزل أكثر مستخدمي التكنولوجيا فطنة – كشركة ديل Dell و شركة وال-مارت Wal-Mart – متخلفين كثيرا عن أحدث التطورات, بانتظار القيام بعمليات الشراء إلى حين تترسخ المعايير و أفضل الأساليب. هذه الشركات تترك منافسيها فاقدي الصبر يتحملون التكاليف المرتفعة للتجريب Experimentation, و من ثم تتخطاهم بإنفاق أقل و إيراد أكبر.

3. التركيز على نقاط الضعف, و ليس على الفرص:

§ عندما يصبح المورد أساسيا للمنافسة و هامشيا للاستراتيجية, فإن المخاطر التي يخلقها تتجاوز الميزات التي يقدمها. و لنأخذ الكهرباء مثالا: إذ لا تبني أي شركة اليوم استراتيجيتها حول استخدام الكهرباء, لكن مجرد حدوث انقطاع قصير في التزويد بالتيار الكهربي يمكن أن يكون مدمرا(كما وجدت بعض المشاريع العاملة في كاليفورنيا خلال أزمة الطاقة عام 2000).

§ مع استمرار الشركات في التنازل عن سيطرتها على التطبيقات في مجال تكنولوجيا المعلومات و الشبكات إلى الشركات البائعة و الأطراف الخارجية, تتعاظم التهديدات التي تواجهها, فهي بحاجة إلى الاستعداد للتعامل مع الأخطاء التقنية, و التقادم, و انقطاع الخدمة, و الموردين أو الشركاء غير الموثوقين, و الثغرات الأمنية... الأمر الذي يحول اهتمامها من التركيز على الفرص إلى التركيز على نقاط الضعف.

4. قد يكون عدد قليل من الشركات قادرا على اقتناص الميزات من التطبيقات عالية التخصص التي لا تقدم حوافز اقتصادية لعملية النسخ, لكن تلك الشركات ستكون استثناءات من القاعدة.

· السؤال الأهم على الإطلاق: أين أمتنا من قطار تكنولوجيا المعلومات؟؟؟؟ لعل الإجابة تأتي في حديث لاحق – إن شاء الله تعالى.

و السلام...




[i] إن ما يجعل موردا ما Resource استرايجيا بحق – و ما يعطيه القدرة أن يكون أساسا لميزة تنافسية مستدامة – ليس الرسوخ Ubiquity و إنما الندرة Scarcity. و الآن أصبحت الوظائف الأساسية لتكنولوجيا المعلومات متوفرة و في متناول الجميع.

[ii] قانون مور Moore's Law: كثافة الدارات الإلكترونية على الشريحة الحسابية ستتضاعف كل عامين. و هذا إن كان تنبؤا عن الزيادة الهائلة القادمة في قوة المعالجة, إلا أنه أيضا تنبؤ عن عن الانخفاض الشديد القادم في سعر الوظيفة الحسابية.

ليست هناك تعليقات: