بسم الله...
* مقدمة
تكنولوجيا المعلومات Information Technology بمعناها العام المتداول, هي التقنية المستخدمة في معالجة و تخزين و نقل المعلومات بالشكل الرقمي.
و يمكن النظر إلى تكنولوجيا المعلومات IT باعتبارها الأحدث في سلسلة من التكنولوجيا واسعة الانتشار التي أعادت تشكيل وجه الصناعة على امتداد القرنين الماضيين – من المحرك البخاري و السكك الحديدية إلى التلغراف و الهاتف إلى المولد الكهربائي و المحرك الداخلي الاحتراق.
فإذا نظرنا إلى تكنولوجيا المعلومات باعتبارها في المقام الأول آلية نقل: إذ أنها تحمل المعلومات الرقمية تماما كما تحمل الخطوط الحديدية البضائع و كما تحمل شبكات الطاقة الكهرباء, فيمكننا بإجراء مراجعة سريعة لتاريخ هاتين التقنيتين – أعني السكك الحديدية و الطاقة الكهربائية - استلهام دروس عدة في إدارة تكنولوجيا المعلومات.
* المرحلة الأولى:تقنية الملكية
· في المراحل الأولى من تشكل تكنولوجيا البنية التحتية, تأخذ هذه التكنولوجيا شكل ((تقنية الملكية)) و هي التقنيات التي يمكن تملُّكها بالفعل, كبراءات الاختراع مثلا. و طالما بقيت إمكانية الوصول إلى هذه التكنولوجيا الجديدة مقيدة – عبر القيود المادية, أو حقوق الملكية الفكرية, أو التكاليف المرتفعة, أو نقص المعايير – يمكن للشركات أن تستخدم هذه التكنولوجيا لكسب ميزة على المنافسين عن طريق امتلاك ما لا يملكوه أو عمل ما لا يمكن أن يقوموا به الآن.
· الميزات التي تتيحها هذه المرحلة:
1. مجرد استخدام هذه التقنية قد يتيح فرصا تنافسية عالية.
· مثال من تاريخ الطاقة الكهربائية: في الفترة الفاصلة بين إنشاء أولى محطات الطاقة الكهربائية, حولي عام 1880, و مد الشبكات الكهربائية في أوائل القرن العشرين, ظلت الكهرباء موردا نادرا في ذلك الوقت, و كثيرا ما حصل أولئك المنتجون الصناعيون القادرون على الوصول إليها – عن طريق بناء معاملهم في جوار محطات التوليد, على سبيل المثال – كثيرا ما حصلوا على أفضلية على منافسيهم؛ إذ أن الطاقة الكهربائية أتاحت لهم أساليب تشغيل جديدة أكثر كفاءة.
2. التركيز على خصائص تقنيات البنية التحتية الشائعة في المراحل الأولى من تشكلها, و خصوصا التكلفة المرتفعة لهذه البنية و افتقادها لعنصر التقييس/ التنميط (Standardization) قد يتيح المزيد من الفرص.
· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: جاء موزع المواد الطبية American Hospital Supply (AHS) عام 1976 بنظام ابتكاري يدعى الشراء المؤتمت للنظم التحليلية Analytic Systems Automated Purchasing (ASAP). هذا النظام مكّن المستشفيات من طلب المواد بشكل إلكتروني عن طريق برمجيات ملكية تعمل على الحاسبات الكبيرة Mainframes, متصلة بأجهزة طرفية Terminals لدى وكلاء الشراء العاملين لدى المستشفيات. و نظرا لارتفاع كفاءة الطلب, فقد مكّن هذا النظام المستشفيات من تخفيض مخزونها و بالتالي تكاليفها. و لأن ASAP حمل شكل الملكية لـ AHS فظل AHS لعدة سنوات هو الموزع الوحيد الذي يوفر أسلوب الطلب الإلكتروني Electronic Ordering. و كان هذا ميزة تنافسية قادت إلى سنوات من النتائج المالية الممتازة لـ AHS.
3. امتلاك فهم أشمل لطريقة استخدام التقنية الجديدة أو التطبيق الابتكاري للتقنية الجديدة قد يتيح فرصا تنافسية عالية.
· مثال من تاريخ الطاقة الكهربائية: حتى نهاية القرن التاسع عشر اعتمد معظم المصنعين على قوة ضغط الماء أو البخار لتشغيل آلاتهم. و كان الحصول على الطاقة في تلك الأيام يتم فقط من مصدر واحد ثابت – مثلا دولاب ماء بجانب طاحونة – و كان يتطلب فقط نظاما متقنا من البكرات و التروس لتوزيع الطاقة. و عندما أصبحت مولدات الكهرباء متاحة للمرة الأولى, قام العديد من المصنعين بكل بساطة بتبنيها كمصدر بديل للطاقة و استخدموها لتغذية نظام البكرات و التروس السائد بالطاقة. أما المصنعون الحاذقون فقد أدركوا أن أعظم ميزات الطاقة الكهربائية هي سهولة التوزيع. فأوصلوا معاملهم بأسلاك الكهرباء و ركبوا المحركات الكهربائية في آلاتهم, فاستغنوا بذلك عن نظام التروس المكلف و البطيء و صعب المراس (غير المرن)؛ الأمر الذي أكسبهم ميزة مهمة في عنصر الكفاءة على منافسيهم الذين لم يتمتعوا بسرعة الحركة.
· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: استخدمت بعض الشركات تكنولوجيا المعلومات لاكتساب ميزات تشغيلية أو تسويقية محددة للتفوق على المنافسين في إحدى العمليات أو الأنشطة. مثال ذلك: الخطوط الجوية الأمريكية بنظام حجزها المسمى Sabre, و فيديرال إكسبريس Federal Express بنظامها المسمى نظام تعقب الطرود Package Tracking System, و موبيل أويل Mobil Oil بنظام مدفوعاتها المؤتمت Speedpass.
4. استشراف مستقبل التقنية الجديدة أو امتلاك فهم أعمق للطريقة التي ستغير بها التكنولوجيا وجه الصناعة قد يعني احتلال مراكز السيطرة دون المنافسين قصيري النظر.
· مثال من تاريخ السكك الحديدية: في أواسط القرن السابع عشر عندما بدأت أمريكا مد خطوط السكك الحديدية بشكل جدي, كان من الممكن قبل ذلك نقل البضائع عبر مسافات بعيدة عن طريق البواخر. و من المحتمل أن يكون رجال الأعمال قد افترضوا أن النقل عبر السكك الحديدية سيتبع آثار نموذج النقل بالبواخر مع بعض التحسينات الإضافية. لكن الذي حدث أن انتشار و استيعاب السكك الحديدية غيّر شكل الصناعة الأمريكية بشكل جذري. و فجأة أصبح من الاقتصادي شحن المنتجات النهائية بالسفن إلى مسافات بعيدة, بدلامن الاكتفاء بشحن المواد الأولية و الأجزاء الصناعية فقط. و بذلك جاء إلى الوجود سوق الاستهلاك الكبير. و اندفعت الشركات التي كانت الأسرع في الانتباه إلى الفرصة الكبيرة في بناء مصانع الإنتاج الكبير واسع النطاق. و قد سمحت وفورات الحجم (مقدار الوفر الذي يحققه المشروع مع تزايد أعماله) لهذه الشركات بسحق المصانع المحلية الصغيرة التي سيطرت حتى ذلك الحين على الصناعة.
· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: تمكنت شركة رويترز بشبكة معلوماتها المالية في السبعينات, و شركة eBay بنظام المناقصات عبر الشبكة الدولية, تمكنتا من احتلال مراكز السيطرة عن طريق أنظمتهما الابتكارية.
5. في حالات قلائل, قد تحقق الشركات المسيطرة من خلال الابتكار في التكنولوجيا ميزات إضافية, مثل وفورات الحجم Economies of Scale و تمييز العلامة التجارية Brand Recognition (يعني تمييزها من بين العلامات التجارية المشابهة) و هي ميزات أثبتت أنها أكثر ديمومة من الأفضلية التكنولوجية الأصلية.
· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: وال- مارت Wal-Mart و ديل كمبيوتر Dell Computer هما مثالان ذائعا الصيت عن الشركات التي استطاعت تحويل الميزات التكنولوجية المؤقته إلى ميزات راسخة و دائمة.
و للحديث صلة إن شاء الله تعالي...
* هذه المقالة هي إعادة صياغة – مع شيء من التصرف - لمقالة "تكنولوجيا المعلومات, الدور الهامشي" التي ترجمها محمد مجد الدين بكير في مجلة الثقافة العالمية, العدد 123. و أصل هذه المقالة بعنوان IT Doesn't Matter و نشر في مجلة Harvard Business Review عدد مايو 2003.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق