بسم الله...
تحثنا في المقالة السابقة عن المرحلة الأولى من مراحل تشكل تكنولوجيا البنية التحتية, و عن الفرص التي تتيحها هذه المرحلة. لكن المصيدة التي يقع فيها الكثير من رجال الأعمال هي افتراضهم أن فرص الوصول إلى مميزات التكنولوجيا الجديدة ستكون متاحة بلا نهاية. و الحق أن هذه الميزات تكون متاحة لفترة و جيزة. فسرعان ما تدخل التكنولوجيا الوليدة في مراحل متقدمة من تشكلها.
* المرحلة الثانية: السباق نحو التشكل (التحول إلى الطابع السلعي)
· عندما تبدأ التكنولوجيا باكتساب التقدير على نطاق واسع, تُوجه إليها أموال ضخمة للاستثمار فيها, و أحيانا تُذهِل الإمكانات التجارية غير المحدودة للتكنولوجيا الأفرادَ و الشركات فيبددوا فيها مبالغ ضخمة من الأموال على مشاريع و منتجات غير مدروسة على نحو جيد. فيفضي الاندفاع إلى الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة إلى اشتداد المنافسة و زيادة القدرة الاستيعابية و انخفاض الأسعار؛ الأمر الذي يجعل التكنولوجيا في قدرة و متناول الجميع.
· مثال من تاريخ السكك الحديدية: في فترة الثلاثين عاما بين 1846 و 1876 ازداد مجمود طول السكك الحديدية في العالم أجمع من 17424 كيلومترا إلى 309641 كيلومترا. هذا الازدهار الذي شهدته السكك الحديدية (و كل ما يتصل بها من تقنيات المحرك البخاري و التلغراف) ساعد ليس فقط على توليد فرط الطاقة الاستيعابية على نطاق واسع, و إنما أيضا على إحداث فائض في الإنتاجية. و هذان الأمران هيآ الساحة لعقدين قاسيين من انكماش الأسعار.
· مثال من تاريخ تكنولوجيا المعلومات: مع بداية ظهور الحواسب الشخصية و البرمجيات الشاملة Packaged Software, و اقتران ذلك بنشوء معايير العمل الشبكي Networking standards, أخذت نظم الاتصال المملوكة تفقد جاذبيتها في عيون المستخدمين و صارت غير اقتصادية بالنسبة لمالكيها. فمثلا, مع بزوغ فجر التسعينات, و بعد اندماج AHS (التي تحدثنا عنها في المقالة السابقة) مع باكستير ترافينول Baxter Travenol ليشكلا باكستير انترناشونال Baxter International, كان كبيرو المديرين التنفيذيين في الشركة قد نظروا إلى نظام ASAP (الذي تحدثنا عنه في المقالة السابقة) باعتباره "عبئا ثقيلا حول رقابهم" وفقا لإحدى دراسات الحالة في مدرسة هارفارد للأعمال Harvard Business School.
* المرحلة الثالثة: الرسوخ كبنية تحتية
· لما تتقدم عملية تشكل تكنولوجيا البنية التحتية بسرعة عالية, يُجبَر المستخدمون على تبني مقاييس تقنية عالمية, مما يؤدي إلى تقادم نظم الملكية السائدة في المرحلة الأولى. و حتى طرق استخدام التكنولوجيا تبدأ في اتخاذ شكل قياسي مع انتشار القدرة على فهم و تطبيق أفضل الأساليب. و في النهاية كثيرا ما تصبح هذه الأساليب الفضلى جزءا من البنية التحتية للكنولوجيا نفسها. فبعد الكهربة Electrification أُنشأت حميع المصانع الجديدة لتضم مآخذ للطاقة الكهربائية موزعة بشكل جيد.
· طبيعة تكنولوجيا البنية تحتية:
1. انتشار و فعالية تكنولوجيا البنية التحتية يحولان وظائفها من موارد تحمل الطابع الاستراتيجي إلى عناصر إنتاج تحمل الطابع السلعي. أي تتحول لتأخذ شكل تكاليف أداء العمل التجاري التي يجب على الجميع دفعها مع أنها لا تقدم التميز لأي منهم.
2. إن أهمية تقنيات البنية التحتية بالنسبة للعمليات التشغيلية اليومية في مشاريع الأعمال تعني أنها تستمر في امتصاص كميات ضخمة من أموال الشركات حتى بعد فترة طويلة من اكتسابها الطابع السلعي – في العديد من الحالات, دون تحديد. و تستمر كل الشركات اليوم افتراضيا بالإنفاق بغزارة على الكهرباء و خدمات الهاتف, على سبيل المثال, و يستمر العديد من المصنعين في إنفاق الكثير على النقل عبر السكك الحديدية.
3. الطبيعة النمطية لتقنيات البنية التحتية كثيرا ما تفضي إلى تشكل الاحتكارات Monopolies و احتكارات القلة Oligopoly المربحة. و المثال الذائع الصيت هنا من تكنولوجيا المعلومات هو شركة مايكروسوفت و سياساتها الاحتكارية التي أدت إلى رفع دعاوى قضائية عديدة ضدها.
· الميزات التي تتيحها هذه المرحلة:
1. إن الميزة الوحيدة التي تأمل معظم الشركات باكتسابها من تكنولوجيا البنية التحتية بعد تشكلها هي ميزة التكلفية – وحتى المحافظة على هذه الميزة تصبح عملا صعبا.
2. هذا لا يعني أن تقنيات البنية التحتية لم تعد تؤثر في حالة المنافسة. بل إنا ستظل مؤثرة, لكن آثارها تُلمس على مستوى الاقتصاد الكلي, و ليس على مستوى الشركات الفرد. فإذا تأخر أحد البلدان, على سبيل المثال في تطبيق التكنولوجيا – سواء كانت شبكة خطوط حديدية أو بنية تحتية للاتصالات – فإن الصناعات المحلية ستعاني بشدة.
و للحديث صلة إن شاء الله تعالي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق