السبت، نوفمبر 27، 2010

عرض كتاب نقد الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية


بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد...

كتاب "نقد الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية", ألفه الأستاذ الدكتور محمد علي مفتي, و طبعته مجلة البيان سنة 1423 هـ / 2002م.
و قد استهل المؤلف بحثه بقول الله عز و جل "أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" [المائدة: 50] و ختمه بقوله "فلا ديمقراطية في الإسلام, و لا إسلام في الديمقراطية" و بين الاستهلال و الخاتمة كتب بحثا ماتعا في 118 صفحة, لخصه في خاتمة الكتاب, في آخر ثلاث صفحات, فقال (بتصرف يسير جدا):

قدمت الدراسة تحليلا نقديا للجذور الفكرية للديمقراطية الغربية؛ بهدف بيان أن الديمقراطية نظام سياسي قائم على مرتكزات, و مرتبط بشروط محددة لا بد من وجودها لتتحقق الديمقراطية. و قد ناقشت الدراسة أهم تلك القواعد أو المرتكزات و التي منها:
  • "سيادة الأمة"؛ أي حق الأمة المطلق في تبني نظام الحياة الذي تراه مناسبا من منطلق كونها تمثل المرجعية العليا في الدولة,
  • و "الحل الوسط" الذي يعد أسلوبا دائما لحل جميع المشكلات في الدولة. و يرتبط "الحل الوسط" بالعلمانية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي. و ينطلق من افتراض أن مصالح المرء المتعلقة بالمباديء و القيم و المصالح المادية لا بد أن تسوى بـ "الحل الوسط" عند نشوء نزاع في الدولة بين الأفراد. و هذا يعني بالضرورة عدم فرض قيم اجتماعية أو عقيدية على المجتمع؛ لأن ذلك يؤدي إلى الاستناد إلى المرجعية العقيدية أو الأخلاقية في حل المشكلات الاجتماعية, و هو ما يتعارض مع ديمقراطيات الحل الوسط.
  • أما "الحرية": التي تمثل جوهر الديمقراطية فتقوم على النظرة الفردية للإنسان, و على جعله المرجعية العليا في الدولة.و تتحق حرية المرء في النظام الديمقراطي عن طريق إقرار "حرية العقيدة"؛ أي حيادية الدولة تجاه العقيدة, و هي تعني حق الأفراد في تبني ما يشاؤون من عقائد دون تدخل من أحد. و "حرية الرأي" التي تعني - كذلك- حق الأفراد في تبني ما يرغبون من أفكار و مفهومات و معالجات. و قد انبثق عن حرية الرأي "التعددية السياسية"؛ لتعبر عن حق الجماعات المختلفة عقديديا و فكريا في العيش المشترك, و في التنافس السياسي للوصول للسلطة انطلاقا من قاعدة تادول السلطة بين الجماعات المختلفة التي تقوم عليها التعددية السياسية.
و قد بينت الدراسة أن الديمقراطية نظام قائم على "فصل الدين على عن الدنيا". و تؤكد قواعد الديمقراطية - المشار إليها أعلاه - علمانية النظام, فجعل الفرد المرجعية العليا في النظام مرتبط بإنكار هيمنة الدين على شؤون الحياة, و بناء الدولة على الحرية و الحل الوسط يدل على أن الدولة الديمقراطية تختلف عن غيرها بحياديتها العقيدية و بفسحها المجال لحرية الرأي لكل أفراد المجتمع.
فالحرية في تبني الآراء و الدعوة إليها - أيا كان مصدرها و نوعها - مكفولة للجميع في ظل النظام الديمقراطي. كما يعبر الحل الوسط بصدق عن علمانية النظام الديمقراطي؛ و ذلك بإخضاع كل شؤون الدولة للمساومة؛ حيث تخضع جميع القرارات - العقيدية منها و الأخلاقية و المصلحية - للحل الوسط الذي يعد ركيزة رئيسة من ركائز الديمقراطية الغربية العلمانية.
و نظرا لما للفكر الديمقراطي من أثر على الساحة السياسية و على الكتاب و المفكرين المسلمين؛ فقد قدمت الدراسة تحليلا لمواقف عديد من الإسلاميين و الحركات الإسلامية من الديمقراطية. و قد تبين أن [الكثير من] (في الأصل: معظم) الكتاب و المفكرين الإسلاميين المعاصرين ينادون بتبني الديمقراطية؛ إما بالقول بأن تبني الديمقراطية يعد ارتكابا لأخف الضررين, فالديقراطية العلمانية "أقل شرا" من العلمانية الاستبدادية, كما يقولون. أو بالقول بأن الديمقراطية لا تعارض الشريعة الإسلامية, أو بإلباسها ثوبا شرعيا و جعلها جزءا من تعاليم الشرع الإسلامي. و قد أدت المناداة بتبني الديمقراطية إلى إقرار القواعد السياسية التي تقوم عليها كالتعددية السياسية, و التعددية الحزبية, و المشاركة في السلطة, و تداول السلطة عن طريق الانتخابات الدورية.
و بناء على ما سبق؛ نادى الإسلاميون الديمقراطيون بضرورة التعددية السياسية المتمثلة في إفساح المجال لكل التيارات السياسية في لعب دور في الساحة السياسية انطلاقا من حق الجماعات المتبياينة عقيديا في الوجود و في التعايش مع غيرها, و حقها في التنافس من أجل الوصول إلى السلطة. و قد أدى هذا الموقف من التعددية إلى المناداة يالتعددية الحزبية؛ أي إقرار وجود أحزاب سياسية شيوعية و علمانية و غيرها في المجتمع, و السماح لها بالمشاركة في الانتخابات, و في طرح برامجها للتصويت عليها من منطلق حقها في الوجود في مجتمع تعددي.
و قد بينت الدراسة خطأ جعل الديمقراطية أساسا للعمل من أجل استئناف الحياة السياسية الشرعية. فالدولة الإسلامية دولة شرعية يقوم نظامها على تطبيق أحكام الإسلام في واقع الحياة من منطلق سيادة الشرع, و ليس على التعددية أو الحرية السياسية. و في نظام الإسلام السياسي لا يجوز إقرار التعددية الحزبية أو السياسية بالمفهوم الغربي لتعارض ذلك مع قواعد الإسلام السياسية, و الدولة الإسلامية لا تقوم بالرجوع إلى الديمقراطية العلمانية بل بالرجوع إلى أحكام الإسلام و معالجته السياسية المتعلقة بنظام الحكم الشرعي, و غياب نظام الإسلام السياسي لا يجوز أن يؤدي إلى تبني النظام الديمقراطي العلماني مهما سيقت له من حجج و قدمت له من مقدمات؛ ذلك لأن الديمقراطية, و العلمانية, و الاستبداد السياسي, و الدكتاتورية و أنظمة الطغيان كلها "طاغوت" لا يقره الشرع الإسلامي, و لا يدعو إليه بحال من الأحوال.
و قيام بعض الإسلاميين بالدعوة إلى الديمقراطية و تسويغ تبنيها يتقريبها من الإسلام لا يدل بحال على أن الإسلام يجيز تبني الديمقراطية؛ "فلا ديمقراطية في الإسلام, و لا إسلام في الديمقراطية". ا.هـ.

ليست هناك تعليقات: