الجمعة، فبراير 13، 2009

العلمانيون و فلسطين: ستون عاما من الفشل.... و ماذا بعد؟ (1)


بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله, و بعد...

من أكثر الناس الذين تعجبني كتاباتهم: [الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل, و هو كاتب ومفكر إسلامي مصري وعضو هيئة تحرير مجلة "البيان" الصادرة في لندن، والمشرف العام على موقع (لواء الشريعة)، وقد حصل د.عبد العزيز كامل على درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة الإمام بالمملكة العربية السعودية، ونال الدكتوراه في الشريعة أيضاً من جامعة الأزهر الشريف في مصر، وله العديد من المؤلفات والمقالات المتنوعة. ومن كتبه "معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية"، و"أمريكا وإسرائيل.. وعقدة الدم" ،و "العلمانية إمبراطورية النفاق"، وآخر كتبه "العلمانيون وفلسطين: ستون عاماً من الفشل، وماذا بعد؟"](1)و هو الكتاب الذي سنتناوله في هذه المقالات...

قال مؤلف الكتاب - حفظه الله- "ليس المقصود بهذه الدراسة التعمق في التحليلات السياسية أو المقارنات التاريخية أو التأصيلات المنهجية, و لكن التذكير بخلاصة الحقائق الكبرى و المعالم الرئيسة, التي تتوه - على الرغم من ضخامتها - بين ركام التفاصيل الصغيرة التي تزدحم بها ذاكرتنا المنسية." و لذلك لن أعد ما أنقله هنا - بتصرف - عن الكتاب تلخيصا(2), فالكتاب أصلا ملخص لما جرى من أحداث, و لكني سأنقل منه ما أُراه أكثرها أهمية, عسى أن ينتفع بها منتفع.

* مقتطفات من المقدمة:
- لقد مضى في الخامس عشر من شهر مايو لعام 2008 ستون عاما على إعلان قيام دولة اليهود (إسرائيل), تلك الدولة المسخ التي زرعتها أحقاد الغرب, بينما تعهدتها بالري و النماء أخطاء العرب.
- فقد كانت "علمانية(3) المعركة" هي الشعار المرفوع من طرف العرب في السر و العلن, و بواقع الحال إن لم يكن بلسان المقال, و المسوّغ المعلن في ذلك كان و لا يزال: حرمان العدو من تحويل الصراع إلى صراع ديني!!!
- فلو افترضنا جدلا أن عدونا الذي اغتصب أرض بيت المقدس, هو مجرد عصابات أو جماعات علمانية غير دينية, بل إلحاديةْْ, فما المانع من أن نواجه هؤلاء الملحدين بسلاح العقيدة و الدين, كما واجه أسلافنا أعداءهم من كافة الملل التي لا تدين إلا بدين باطل أو بلا دين على الإطلاق؟!
- لقد تلقت الأمة دروسا عملية واضحة في العقود و السنين الأخيرة, تؤكد أن رفع المسلمين للراية الإسلامية في معاركها المصيرية في بقاع شتى من الأرض, قد أعطى ثمرات لم نكن أبدا نراها طوال معارك الأمة مع أعدائها تحت الراية العلمانية. و يكفينا في ذلك أن نقول: إن جهاد خمس سنوات من عمر المقاومة في العراق ضد أمريكا تحت الراية الإسلامية قد فاق بمراحل كبيرة, ما أنجزته الزعامات العلمانية خلال الأعوام الستين من عمر القضية الفلسطينية, هذا إن افترضنا أنه كانت لهم إنجازات مؤثرة أو حقيقية. فإذا وضعنا في الحسبان أيضا الفارق الكبير بين قدرات العدو الأمريكي في العراق و الإسرائيلي في فلسطين, و بين القدرات المادية و العسكرية المحدودة للمقاومة العراقية, مقارنة بإمكانات مجموع العروش و الجيوش العربية, لتبين من مجموع ذلك حقيقة الفرق بين القتال تحت الراية الأمريكية, و القتال تحت راية "عُمِّية", و دعوات جاهلية.
- و الواقع أن العدو تعمد أن يصبغ الصراع بالصبغة الاعتقادية في أبرز معالمه, بدءا من اختيار اسم هذه الدولة (إسرائيل), على اسم نبيٍّ هو يعقوب عليه السلام, و رمزها (نجمة داود), التي ترمز لسطوع عصر المسيح المنتظر من نسل داود, و دستور تلك الدولة (التوراة), حيث لم يوضع لدولتهم دستور مكتوب غيرها, و أيضا شعار تلك الدولة (أرض الميعاد من النيل إلى الفرات), المرموز له في العَلَم الإسرائيلي بالخطين الأزرقين, و كذلك حلم هذه الدولة التاريخي بإعادة بناء (هيكل سليمان) في (أورشليم القدس), حيث يتطلع اليهود لمجيء ملك من نسل داود يحكمون معه العالم من ذلك الهيكل, الذي اتخذوا من (الشمعدان) الذي يضيئ داخل (قدس الأقداس) داخله, اتخذوا منه شعارا لجهاز الدولة و أنظمتها.
- أما بنو قومنا الذين تصدروا في واجهة المواجهة (الرسمية) لليهود, فإنهم صغروا الصراع و حقروه و حولوه من صراع أممي إسلامي, إلى صراع قومي عربي, فأطلقوا على هذا الصراع وصف (الصراع العربي الإسرائيلي) مرة, و (معركة القومية العربية) مرة أخرى, ثم استجابوا لتسمية التعمية التي أطلقها الغربيون على تلك النازلة, عندما أطلقوا عليها وصف (أزمة اشرق الأوسط) فصارت أزمة لا تخص إلا "دول الطوق", ثم دول "الصمود و التحدي", لتتحول تلك الأزمة بعد ذلك إلى "نزاع: بين الفلسطينين و الإسرائيلين - كما يشيع الإعلام العلماني منذ عقدين - لينحصر الصراع في النهاية إلى "مشكلة أمنية" بين حماس الإسلامية المحاصرة المطاردة, و بين دولة اليهود التي تساندها قوى الطغيان الدولي كلها!
- لذلك لم يكن غريبا و لا عجيبا أن يتسلل و يتسلسل الإخفاق و الفشل في الأداء العربي الرسمي طوال تلك العقود السابقة من عمر القضية, سواء في ميادين الحرب أو على موائد السلام.
و هو ما تناوله المؤلف في ثنايا كتابه...
و للحديث صلة, و السلام...
--------
(1) المعلومات عن الشيخ نقلتها بتصرف يسيرعن مقالة بمقاومة العدوان مارس السلفيون أعلى درجات السياسة
(2) هذه ملخصات أخرى للكتاب - لمن أراد - : الملخص الأول- الملخص الثاني
(3) لفظة (العلمانية)ترجمة خاطئة لكلمة (سيكولاريزم Secularism), في الإنكليزية, و هي كلمة لا صلة لها بالعلم. و الترجمة الصحيحة لتلك الكلمة هي: (اللادينية) أو (الدنيوية) أي: الحياة بلا دين. و التعبيرالشائع في الأدبيات العربية و الإسلامية أن العلمانية هي فصل الدين عن السياسة, و الأصح أن معناها: فصل الدين عن الحياة على مستوى الفرد و المجموع. و لكن هناك علمانية غير معادية للدين, و هي الموجودة في المجتمعات الرأسمالية الليبرالية, و علمانية معادية للدين و هي الشائعة في المجتمعات الإلحادية الشيوعية, لكن كليهما مناقض للإيمان, و بعضهم يفرق بين (العلمانية الشاملة) التي تفصل الدين عن الحياة كليا, و بين (العلمانية الجزئية) التي تفصل الدين عن شؤون الدولة فقط, فيقبل هؤلاء الثانية و لا يقبلون الأولى, و كلا النظرتين في التعامل مع الشريعة في الإسلام, كفر بيّن لمن اعتقده عالما قاصدا, فلا يقبل فصل الدين عن الحياة أو فصل الدين عن الدولة.

الثلاثاء، مايو 27، 2008

"مشوار" في "الميكروباص" = دروس في صناعة المال

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد...
فبعد الارتفاع الجنوني في الأسعار - و الذي كان آخره ارتفاع أسعار وقود السيارات - كثيرا ما كنت أشهد مشادات بين راكبي سيارات الأجرة و سائقيها حول تعريفة الرحلة.
و قد تكلم في هذه الظاهرة - ظاهرة غلاء الأسعار - قبلي أفاضل كثر, لن أكرر هنا كلامهم, لكني سأسوق بعض الملاحظات:
1- ظاهرة غلاء الأسعار ليست محلية, إنما هي عالمية [و إن قال بعضهم تعليق الغلاء على شماعة السعر العالمي .. باطل!]
2- مشكلتنا في مصر هي في ضعف الأجور و ليست في زيادة الأسعار؛ فنحن نتقاضى أجورا محلية و نشتري سلعا بأسعار عالمية [انظر أزمة رغيف الخبز في مصر]
3- أي زيادة في سعر أي سلعة أو خدمة إنما يتحملها المستخدم النهائي كليا (في الغالب) أو جزئيا (أحيانا) , و أي وسيط - إن لم يتربح منها - فهو لن يخسر فيها كثيرا (إن خسر) في أسوأ الاحتمالات, و هذه سنفصلها لاحقا.

فكيف نواجه هذه الظاهرة؟
1- أن نعرف سلوك المسلم عند ارتفاع الأسعار.
2- أعد قراءة الملحوظة الثالثة - في الفقرة السابقة -, ثم تدبر معي هذا التقرير: الموظف في مصر يدفع ضريبة على راتبه الهزيل, ثم إن أراد أن يشتري أي سلعة , دفع عليها ضريبة المبيعات, فإن زيد في ثمن السلعة أو الخدمة, زيد عليه هو فقط في ثمنها. و لازال معنا مثال سائقي سيارات الأجرة, لما زادت أسعار وقود السيارت, زادوا تعريفة النقل على "الموظفين" التعساء!
فإذا نظرت كيف يواجه الموظف البائس هذه الظاهرة, وجدته إما يسب الظلام, و إما يسب الحكومة, و إما يتشاجر مع سائق سيارة الأجرة الذي استغل الفرصة - في ظل غياب الرقابة الحكومية , و إن شئت فقل التواطؤ - و زاد من تعريفة الرحلة أكثر من مقابل زيادة سعر الوقود!
فهلا فكر أريب في إيقاد شمعة, و استخرج من الأزمة قوانين في صناعة المال؟
كان هذا الأريب هو صاحبنا سائق السيارة الأجرة! فإنه لم ينتظر الوظيفة الحكومية و إنما عمل مساعدا لعمه السائق حتى حذق قيادة سيارات الأجرة مع توالي الأيام. فما إن استخرج رخصة قيادة حتى ضارب عمه الذي يملك ثلاث سيارات على أن يتوالى هو و اثنان آخران من زملائه الشباب على إحدى هذه السيارات الثلاث, حيث يقودها كل واحد من الثلاثة لسبع ساعات, و الساعات الثلاث المتبقية من اليوم يجرون عليها أعمال الصيانة. أما الربح فيتقاسمه الأربعة (صاحبنا السائق و عمه و زميلاه).
و أنا أكمل لكم قصة صاحبنا السائق من قصة عمه السابق, فبعد أن عمل العم على سيارة ليست ملكه لبعض الوقت, ادخر شيئا من المال أتاح له أن يشتري سيارة مستعملة بالتشارك مع رفيقيه, فلما زاد ربحه باع نصيبه في السيارة القديمة و اشترى سيارة جديدة بالتقسيط, فلما استكمل ثمنها, اشترى ثانية, و ضارب ابن أخيه على الأولى ... فثالثة ... وهو الآن يجهز لشراء الرابعة, بعد أن زوج ابنتيه!
و أنا ألخص لك هنا قوانين صناعة المال التي استعملها صاحبنا السائق تلخيصا:
1- لا ترض بالوظيفة الحكومية و لا حتى بالعمل أجيرا عند أحد - إلا لغرض واحد فقط؛ و هو التعلم.
2-إذا فعلت ذلك, فتلقائيا, ستنتقل أعباء زيادة الأسعار من على كاهلك إلى المستخدم النهائي, و ستأتيك فرص أكثر في الثراء.

فأين أولو الألباب الذين يصنعون المال؟

الخميس، مايو 22، 2008

الكتابة العلمية باللغة العربية


بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد...
فما أصعب أن يقرأ المرء كلاما بلغة قومه فلا يكاد يفهم شيئا!
و أصعب من ذلك أن تستعصي عليه الكتابة بلغة قومه فلا يكاد يبين!
أما صدر الاستهلال, فبيان ما كنت أشعر به و أنا أقرأ في البرمجة أو في تكنولوجيا المعلومات أو أي موضوع علمي باللغة العربية. و أما عجزه (نهايته), فبيان ما كنت أشعر به لما هممت بالكتابة باللغة العربية في مثل هذه الموضوعات؛ فقد وجدت الأمر جد صعب!
بالطبع ليس ذلك لقصور اللغة العربية عن احتواء العلوم - و لعلي أفرد هذا الموضوع بحديث خاص إن شاء الله تعالى- و لكن يمكن إرجاع ذلك إلى الأسباب الآتية:
1- أسباب من قبل المؤلف:
أ) الترجمة الحرفية للمصطلحات
ب) النقل الحرفي للجمل المترجمة بما لا يتناسب مع أساليب العرب في الكلام
ج) عدم الإلمام بالموضوع المترجم
2- أسباب من قبلي:
أ) تلقي هذه العلوم باللغة الإنجليزية
ب) ضعفي في اللغة العربية عموما
بالطبع كل هذه الأسباب تدعو للأسى, لكن يمكن تلافيها إن شاء الله تعالى.
و كخطوات عملية في هذا الصدد:
- فقد اشتريت "معجم الحاسبات" الذي أصدره مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 2003م. و بالرغم من قدمه نسبيا, إلا أنني وجدت فيه الكثير من المصطلحات التي تتقلب بها ألسنة المبرمجين. فجزى الله خيرا من أعده.
فما وجدت من مصطلح في هذا المعجم, فسألتزم به, و ما لم أجد فسأبحث له عن أفضل ترجمة فيما كتبه غيري, فإن لم أجد فسأجتهد في ترجمته و لا آلو. و في كل ذلك سأفضل ذكر المصطلح الإنكليزي بجانب ترجمته العربية ليستبين المقصود من الكلام.
- و سأحاول جاهدا أن أصوغ الجمل بأسلوبي ملتزما في ذلك بما أعلمه من قواعد بناء الجمل في لغة العرب.
- أخيرا - و هو الأهم - أن أقبل على تعلم اللغة العربية.... و الله المستعان.
---------
* تحديث:
وجدت موقع ويكي عرب آيز مفيد في هذا الموضوع, حيث قالوا في صدر الموقع:
"يوفر ويكي عرب‌آيز مناخا للنقاش وتبادل الخبرات والمعرفة حول اللغة العربية ولسانياتها ومايتعلّق بدعمها والارتقاء بها في الحوسبة عمومًا والبرمجيات الحرة على وجه الخصوص. هذا الويكي عبارة عن مجال تشاركي مفتوح للجميع بدون قيود، لغتنا الجميلة بانتظار مساهمتك فلا تبخل عليها."

الجمعة، يناير 18، 2008

سنن العرب في تسمية أبنائهم

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله, و بعد...
قال العلامة الشيخ محمد بشير الإبراهيمي الجزائري - رحمه الله تعالى - في نقد من تكنى بأبي السعادات, و نحوها من الكُنى الأعجمية:
(من سنن العرب أنهم يجعلون الاسم سمة للطفولة, و الكنية عنوانا على الرجولة, و لذلك كانوا لا يكتنون إلا بنتاج الأصلاب و ثمرات الأرحام من بنين و بنات, لأنها الامتداد الطبيعي لتاريخ الحياة بهم, و لا يرضون بهذه الكنى و الألقاب الرخوة إلا لعبيدهم؛ و ما راجت هذه الكنى و الألقاب المهلهلة بين المسلمين إلا يوم تراخت العُرى الشاذة لمجتمعهم, فراج فيهم التخنث في الشمائل و التأنث في الطباع و الارتخاء في العزائم, و النفاق في الدين؛ و يوم نسي المسلمون أنفسهم فأضاعوا الأعمال التي يتمجد بها الرجال, و أخذوا بالسفاسف التي يتلهى بها الأطفال؛ و فاتتهم العظمة الحقيقية فالتمسوها في الأسماء و الكنى و الألقاب؛ و لقد كان العرب صخورا و جنادل يوم كان من أسمائهم صخر و جندلة, و كانوا غصصا و سموما يوم كان فيهم مُرَّةٌ و حنظلة؛ و كانوا أشواكا و أحساكا يوم كان فيهم قتادةُ و عَوْسَجَة, فانظر ما هم اليوم؟ و انظر أي أثر تتركه الأسماء في المسميات؟ و اعتبر ذلك في كلمة "سيدي" و أنها ما راجت بيننا و شاعت فينا إلا يوم أضعنا السيادة, و أفلتت من أيدينا القيادة. و لماذا لم تشع في المسلمين يوم كانوا سادة الدنيا على الحقيقة؛ و لو قالها قائل لعُمَرَ لهاجت شِرَّتُه, و لبادرت بالجواب دِرَّتُه)ا.هـ. نقلا عن "التعالم" للعلامة بكر أبي زيد.

الدرس الأخير!

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله, و بعد...
الدرس الأخير....
هو عنوان قصة قصيرة (تصور تلميذا فرنسيا في مقاطعة الإلزاس و اللورين ظل متمردا على أستاذ اللغة الفرنسية و لا يعتني بقواعد لغتها و نحوها, حتى احتل الألمان إقليمه في حرب السبعين في القرن التاسع عشر, و قرروا تدريس اللغة الألمانية بدل الفرنسية, فيجمع المدرس تلامذته ليلقي عليهم الدرس الفرنسي الأخير في اسم الفاعل و المفعول, و عندئذ يستولي الندم على الطالب المتمرد المقصر في تعلّم لغته, و لكن لات حين مندم, فإن المحتل لا يراعي شعور نادم مفرّط, بل يفرض لغته)(1).
فلولا كان من أبناء الإسلام أولو بقية يعتزون بلغتهم و يتقنونها قبل أن تلقنهم الأيام مثل هذا الدرس الأخير؟؟؟!!!
------------
(1) نقلا عن "منهجية التربية الدعوية" للأستاذ محمد أحمد الراشد

السبت، يناير 12، 2008

هناك في صغير العلم و رخيصه تكمن الفرص!

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد....
في هذه المقالة أنقل لكم تجربة إنسانية فريدة خلاصتها أن فرص نهوض الأمة إنما تكمن في صغار العلم و رخيصه.
هي تجربة الاتحاد السويسري.
قال الأستاذ محمد أحمد الراشد في كتابه "منهجية التربية الدعوية" بتصرف يسير:
قبل أربعة قرون, و بعد معارك انتصر فيها السويسريون على جيوش النمسا: عاونوا البابا في إيطاليا ضد ملك فرنسا الغازي لها, و انتصروا عام 1513م, في معركة ميلانو, و لكن ملك فرنسا عاود الهجوم عام 1515م و احتل ميلانو و هزمهم, فقرر السويسريون انتهاج سياسة الحياد, و ارتضوها لأنفسهم منذ ذلك اليوم, و قلصوا حجم جيشهم, و التزموا الحياد كسياسة دائمة.
لكن الزمان كان زمان النهضة العلمية و الثورة الصناعية, و قادت بريطانيا هذه الثورة, و لحقت بها فرنسا و ألمانيا ثم إيطاليا, و كثر الإنتاج بسبب استعمال الآلة, فكان لابد من إيجاد أسواق كبيرة لتصريف هذا الإنتاج الضخم و جمع أموال الشعوب و لتوفير مصدر مجاني لا ينضب من المواد الأولية, فكان الاستعمار و الصراع بين الدول الكبرى على احتلال بلدان أفريقيا و آسيا من أجل ذلك.
هنا وجد السويسريون أنفسهم في مأزق, أنهم بحكم الحياد لا يستطيعون انتهاج سياسة استعمارية تضمن موارد الخامات و التسويق الواسع, و لذلك فإنهم إن أنتجوا نفس منتجات الدول الكبرى فإن عامل المنافسة لا يكون في صالحهم و سيُغلبون و يتحطم اقتصادهم بعد حين.
ثم تأملوا فوجدوا أنهم في مأزق آخر: أن دولتهم لا تطل على بحر, بل هي مغلقة و تحيط بها جبال عالية, و ذلك يعني انتفاء إمكانية الشحن البحري الرخيص, و أن إنتاج الأشياء الثقيلة سيضاعف عليهم أجور النقل, فتنتفي مرة ثانية إمكانية المنافسة في الأسعار, فوق ما في النقل البري من تعقيد سياسي, و أن بإمكان الدول المجاورة حصار سويسرا إذا كان ضروريا لحماية اقتصاد الدول الاستعمارية.
إذن ما العمل, و كيف المخرج؟
هنا كان الإبداع و القفز على المصاعب و استثمار ظاهرة (رب ضارة نافعة). عبر مؤتمرا, ربما, أو عمل مجالس تخطيط, توصل السويسريون إلى حل ذي شعبتين, و أضافت له الأيام ثالثا.
رأوا أولا أن الدول الاستعمارية تنتج الإنتاج الثقيل, و الإنتاج الاستهلاكي الواسع, فاختاروا الصناعات الخفيفة و الإنتاج للخاصة, مما يخف حمله, و يغلو ثمنه, و تحتاجه حتى الدول الاستعمارية نفسها, و هكذا ازدهرت صناعة الساعات بشكل خاص, و العدسات و النظارات و إطاراتها, و جلي الأحجار الثمينة و صياغتها في حلي, و تصفية الذهب و ضمانه من الغش, و الأقلام, و المنسوجات الراقية المستوى, و أمثال ذلك, و تخصصوا في هذه المجالات.
ثم رأوا ثانية أن حالة الحياد تعني الاستقرار و الأمن الدائم, و هذا شرط مهم لحركة المال, فابتكروا التوسع في إنشاء البنوك و منحوا العملاء ضمان السرية التامة لما يودعون, فاجتمعت عندهم أموال الأثرياء من أوروبا و كل العالم, و أموال الحكام السارقين للأموال العامة, و أموال المافيا, فتوسعوا في الائتمان المصرفي و إقراض معامل الدول الاستعمارية و تحصيل فارق الربا, أي أنهم اشتغلوا بأموال غيرهم, حتى صارت سويسرا أغنى الأغنياء.
ثم مع الأيام وجد السويسريون أنفسهم أنهم لا يخصصون ثلث أو نصف ميزانياتهم لتكوين جيش و شراء أسلحة, أو معظم ميزانياتهم لخوض حروب, بل كان المال المخصص لذلك يذهب لبناء البلد و تحسين البنية الأساسية و تحقيق معيشة الرفاه للشعب, و كان المزيد من السواعد يعمل في ذلك بدل حمل البندقية, فازدهرت سويسرا, لصغر جيشها, و هي حالة شبيهة لما حصل لألمانيا و اليابان بعد الحرب العالمية الثانية لما منعتا من تكوين جيوش, فتحول الرصيد العسكري إلى البناء السلمي, فكان التفوق الحالي للدولتين. و قد واكب الازدهار السويسري تقدم وسائل المواصلات, فصارت سويسرا مكان السياحة الأول في العالم, و اشترى الأثرياء فيها قصورا, بسبب أمنها, و صارت مكانا للمؤتمرات و المفاوضات و مراكز المنظمات, و انفتح مصدر ثالث للمال بعد المصدرين الأولين.
و كل ذلك إما هو عطاء المنهجية و التخطيط و التفكير السليم.
ويح أمه هذا الساذج الذي يتململ و يقول: تريدنا هكذا أهل ربا و نأكل صدقات السائحين؟
و ما عنينا هذا يا أخي, إنما نريد أن نفكر كما فكروا, و نبتكر لأمتنا ما يليق بها على ضوء معطيات الواقع.
فالتمكين لا يهدى إلينا هدية, و لا يأتي بتعب العضلات و الكدح فقط, بل بكد العقل أيضا, و التفتيش عن مسارب التملص من المعضلات, و لئن أغضبا أحد أخرى ... لنسكتن!

السبت، أغسطس 25، 2007

قواعد جديدة لإدارة تكنولوجيا المعلومات ... دروس من التاريخ- الجزء الثالث

بسم الله...

تحدثنا في المقالين السابقين عن الأطوار الثلاثة التي تمر بها تكنولوجيا البنية التحتية في طريقها إلى التشكل. و نأتي هنا إلى بيت القصيد, و هو: أين تكنولوجيا المعلومات في هذه المراحل؟ و ما هي الفرص التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات في مرحلتها الراهنة؟

· و قبل أن أن نجيب على هذه الأسئلة, ينبغي أن نتحدث عن السمات التي تؤهل تكنولوجيا المعلومات لكي تصبح تكنولوجيا بنية تحتية:

1. تكنولوجيا المعلومات في المقام الأول – كما قدمنا في المقالة الأولى- آلية نقل. و كغيرها من أية آلية نقل تكون قيمة تقاسمها (استخدامها المشترك) أكبر بكثير من استخدامها بشكل منفرد.

2. تكنولوجيا المعلومات قابلة للنسخ و إعادة الإنتاج بشكل تام و دون تكلفة فعلية. و يعزز ذلك سهولة نسخ المعلومات (المعلومات مخزنة في صورة أصفار و آحاد), و القابلية للقياس التي أدت إلى شيوع التطبيقات السائبةGeneric Applications /العامة/متعددة الأغراض , و أخيرا القابلية للتقييس التقني Standardization.

3. الطابع السلعي: لقد سارع وصول الإنترنت من اكتساب تكنولوجيا المعلومات للطابع السلعي و ذلك من خلال تقديم قناة توزيع متكاملة للتطبيقات. و بشكل متزايد ستؤمن الشركات احتياجاتها إلى تكنولوجيا المعلومات ببساطة عن طريق شراء خدمات الشبكة المأجورة من أطراف خارجية على الشكل نفسه الذي تشتري به حاليا الطاقة الكهربائية أو خدمات الاتصال البعيد. و تحاول الآن معظم الشركات البائعة للشطر الأعظم من التكنولوجيا التجارية (كميكروسوفت و أي بي إم IBM) أن تجعل من نفسها مرافق عامة لتكنولوجيا المعلومات.

4. لجميع الأسباب التي ذكرناها, فإن تكنولوجيا المعلومات عرضة لانكماش سعريPrice Deflation سريع.

· بينما لا يمكن لأحد أن يحدد بدقة موعد نهاية عملية تشكل تكنولوجيا البنية التحتية, فإن هناك إشارات عدة بأن تشكل تكنولوجيا المعلومات بات أقرب إلى نهايته من بدايته. و من هذه الإشارات:

1. تتجاوز قدرة التكنولوجيا معظم الحاجات التجارية التي تعمل على تلبيتها.

2. لقد هبط سعر وظيفة تكنولوجيا المعلومات الأساسية إلى حد هو تقريبا باستطاعة الجميع.

3. لقد أدركت استيعابية شبكة التوزيع العالمي (الإنترنت) حجم الطلب – هناك في الحقيقة و منذ زمن قدرة استيعابية من الألياف البصرية فائضة عن الحاجة.

4. يندفع الآن بائعوا منتجات تكنولوجيا المعلومات إلى ترسيخ أنفسهم كموردي سلع Commodity Suppliers, و حتى كمرافق عامة.

5. انفجرت فقاعة الاستثمار التي كانت مؤشرا واضحا على قرب بلوغ تكنولوجيا البنية التحتية إتمام شكلها.

· الفرص التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات في مرحلتها الراهنة:

مع الاختفاء السريع لفرص اكتساب ميزة استراتيجية[i] من تكنولوجيا المعلومات, ستجد الشركات نفسها راغبة في النظر بشكل صارم إلى أسلوب استثمارها في تكنولوجيا المعلومات و إدارة نظمها. و كنقطة انطلاق, ها هنا بعض الإرشادات للمستقبل:

1. تقليل الإنفاق:

§ يخشى بعض المديرين التنفيذيين من أن عدم السخاء في الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات سيضر بمراكزهم التنافسية, مع أن الدراسات المتعلقة بالإنفاق على تكنولوجيا المعلومات تظهر أنه من النادر أن يترجم الإنفاق الكبير إلى نتائج مالية ممتازة. بل العكس هو الصحيح عادة. ففي عام 2003 قارنت شركة الاستشارات Alinean الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات بالنتائج المالية لـ 7500 من كبريات الشركات الأمريكية, و وجدت أن أفضل الشركات إنجازا نزعت لتكون بين أكثر الشركات اقتصادا في النفقات. فلقد أنفقت الشركات الخمس و العشرين التي حققت أعلى العوائد الاقتصادية, على سبيل المثال, ما نسبته 0.8% من إيراداتها بالمتوسط على تكنولوجيا المعلومات, في حين أنفقت الشركة النموذجية (العادية) 3.7%. و قد أظهرت دراسة أجراها مركز Forrester Research, بالمثل, أنه من النادر أن تحقق الشرمات التي تنفق بتبذير على تكنولوجيا المعلومات نتائج أفضل, حتى أن رئيس شركة أوراكل Oracle, لاري أيليسون Larry Ellison, إحدى كبريات الشركات البائعة لتكنولوجيا المعلومات, قال (( معظم الشركات تنفق الكثير جدا على تكنولوجيا المعلومات و تحصل في المقابل على النذر اليسير)).

§ إن كثيرا من الإنفاق تحرضه استراتيجيات بائعي التكنولوجيا. فقد أصبح كبار موردي المعدات و البرمجيات بارعين جدا في توزيع و ترتيب المزايا و الإمكانات الجديدة بطرائق تجبر الشركات على شراء الجديد من الحواسب و التطبيقات و تجهيزات الشبكات بتواتر أكبر مما هم بحاجة إليه.

§ تتطلب الإدارة الصارمة للتكاليف دقة أكبر في الابتكار لاكتشاف بدائل أبسط و أرخص, و انفتاحا أكبر على عملية شراء الخدمة Outsourcing و التطبيقات مفتوحة المصدر Open-source applications و الحواسب الشبكية البسيطة, حتى إذا كان ذلك سيعني التضحية بالمزايا. و إذا طلبت الشركة الحصول على دليل عن مقدار الأموال التي يمكن توفيرها, فينبغي أن تنظر إلى هامش الربح عند شركة مايكروسوفت Microsoft.

§ يمكن أن تجني معظم الشركات وفورات مهمة ببساطة عن طريق الحد من الهدر. فمثلا, كل عام تشتري مشاريع الأعمال أكثر من 100 مليون حاسب شخصي, معظمها كبدائل للنماذج الأقدم. و مع ذلك فإن الغالبية العظمى من العاملين الذين يستخدمون الحواسب الشخصية يعتمدون فقط على بضعة تطبيقات بسيطة - كمعالجة الكلمات, و الجداول, و البريد الإلكتروني, و تصفح الشبكة الدولية - و قد كانت هذه التطبيات ناضجة منذ عدة سنوات. و هي تتطلب فقط جزءا من القدرة الحاسوبية التي تقدمها المعالجات الدقيقة اليوم. و مع ذلك, تستمر الشركات في إجراء تحديثات شاملة في المعدات و البرمجيات.

§ افتقدت الشركات – إلى جانب السلبية في مشترياتها – افتقدت إلى البراعة في استخدام تكنولوجيا المعلومات. و يصح ذلك بوجه التحديد على مسألة تخزين البيانات, و التي أصبحت مسؤولة عن نصف نفقات العديد من الشركات على تكنولوجيا المعلومات. فقد قدرت مجلة عالم الحاسب أن ما مقداره 70% من القدرة التخزينية لأي شبكة نموذجية تعمل على نظام ويندوز هو طاقة مهدورة, أي إنفاق هائل لا ضرورة له. فهو يتألف من رسائل البريد الإلكتروني و الملفات المخزنة من قبل العالين, بما فيها تيرا بايتات Terabytes من المواد الترويجية الإلكترونية Spam, و ملفات الموسيقى MP3, و الفيديو كليب.

إن تقييد حرية العاملين في تخزين الملفات دون تمييز و دون تحديد قد لا يبدو أمرا مستساغا للعديد من المديرين. لكن يمكن أن يكون له أثر حقيقي على عنصر الربح.

2. التبعية و ليس القيادة:

§ يؤكد قانون مور[ii]Moore's Law أنه كلما طال تأجيل القيام بشراء منتجات تكنولوجيا المعلومات, زادت قيمة المنفعة التي تحققها الأموال المنفقة. و سيقلل الانتظار من مخاطرة شراء المنتجات المعيبة تكنولوجيا أو التي سيكون مصيرها التقادم السريع.

§ في بعض الحالات يكون الحصول على أفضل التكنولوجيا المتاحة عملا مجديا, لكن هذه الحلات تتناقص أكثر و أكثر مع التجانس المتزايد لقدرات تكنولوجيا المعلومات.

§ لقد زادت العديد من الشركات, و خصوصا في عقد التسعينات, من استثمارها في تكنولوجيا المعلومات إما أملا منها في اقتناص ميزة أول المتحركين أو خشية من أن يفوتها الركب. و لم يكن هناك ما يؤكد صحة هذه الآمال أو المخاوف, إلا في حالات نادرة جدا. فلم يزل أكثر مستخدمي التكنولوجيا فطنة – كشركة ديل Dell و شركة وال-مارت Wal-Mart – متخلفين كثيرا عن أحدث التطورات, بانتظار القيام بعمليات الشراء إلى حين تترسخ المعايير و أفضل الأساليب. هذه الشركات تترك منافسيها فاقدي الصبر يتحملون التكاليف المرتفعة للتجريب Experimentation, و من ثم تتخطاهم بإنفاق أقل و إيراد أكبر.

3. التركيز على نقاط الضعف, و ليس على الفرص:

§ عندما يصبح المورد أساسيا للمنافسة و هامشيا للاستراتيجية, فإن المخاطر التي يخلقها تتجاوز الميزات التي يقدمها. و لنأخذ الكهرباء مثالا: إذ لا تبني أي شركة اليوم استراتيجيتها حول استخدام الكهرباء, لكن مجرد حدوث انقطاع قصير في التزويد بالتيار الكهربي يمكن أن يكون مدمرا(كما وجدت بعض المشاريع العاملة في كاليفورنيا خلال أزمة الطاقة عام 2000).

§ مع استمرار الشركات في التنازل عن سيطرتها على التطبيقات في مجال تكنولوجيا المعلومات و الشبكات إلى الشركات البائعة و الأطراف الخارجية, تتعاظم التهديدات التي تواجهها, فهي بحاجة إلى الاستعداد للتعامل مع الأخطاء التقنية, و التقادم, و انقطاع الخدمة, و الموردين أو الشركاء غير الموثوقين, و الثغرات الأمنية... الأمر الذي يحول اهتمامها من التركيز على الفرص إلى التركيز على نقاط الضعف.

4. قد يكون عدد قليل من الشركات قادرا على اقتناص الميزات من التطبيقات عالية التخصص التي لا تقدم حوافز اقتصادية لعملية النسخ, لكن تلك الشركات ستكون استثناءات من القاعدة.

· السؤال الأهم على الإطلاق: أين أمتنا من قطار تكنولوجيا المعلومات؟؟؟؟ لعل الإجابة تأتي في حديث لاحق – إن شاء الله تعالى.

و السلام...




[i] إن ما يجعل موردا ما Resource استرايجيا بحق – و ما يعطيه القدرة أن يكون أساسا لميزة تنافسية مستدامة – ليس الرسوخ Ubiquity و إنما الندرة Scarcity. و الآن أصبحت الوظائف الأساسية لتكنولوجيا المعلومات متوفرة و في متناول الجميع.

[ii] قانون مور Moore's Law: كثافة الدارات الإلكترونية على الشريحة الحسابية ستتضاعف كل عامين. و هذا إن كان تنبؤا عن الزيادة الهائلة القادمة في قوة المعالجة, إلا أنه أيضا تنبؤ عن عن الانخفاض الشديد القادم في سعر الوظيفة الحسابية.